فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد الفاء فصيحة، و(كيف) محلها إما الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وإما النصب بفعل محذوف على التشبيه بالحال، كما هو رأي أو على التشبيه بالظرف [ ص: 34 ] كما هو رأي سيبويه، والعامل بالظرف مضمون الجملة من التهويل والتفخيم المستفاد من الاستفهام أو الفعل المصدر، كما قرره صاحب (الدر المصون) والجار متعلق بما عنده، أي: إذا كان كل قليل وكثير يجازي عليه، فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم؟ أو كيف يصنعون؟ أو كيف يكون حالهم إذا جئنا يوم القيامة من كل أمة من الأمم وطائفة من الطوائف بشهيد يشهد عليهم بما كانوا عليه من فسائد العقائد وقبائح الأعمال، وهو نبيهم، الأخفش، وجئنا بك يا خاتم الأنبياء على هؤلاء إشارة إلى الشهداء المدلول عليهم بما ذكر شهيدا تشهد على صدقهم لعلمك بما أرسلوا واستجماع شرعك مجامع ما فرعوا وأصلوا، وقيل: إلى المكذبين المستفهم عن حالهم، يشهد عليهم بالكفر والعصيان؛ تقوية لشهادة أنبيائهم عليهم السلام، أو كما يشهدون على أممهم، وقيل: إلى المؤمنين لقوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ومتى أقحم المشهود عليه في الكلام وأدخلت (على) عليه لا يحتاج لتضمين الشهادة معنى التسجيل.
أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، والترمذي، وغيرهم، من طرق، عن والنسائي، قال: ابن مسعود فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد إلخ فقال: حسبك الآن، فإذا عيناه تذرفان» فإذا كان هذا الشاهد تفيض عيناه لهول هذه المقالة، وعظم تلك الحالة، فماذا لعمري يصنع المشهود عليه؟! وكأنه بالقيامة وقد أناخت لديه. «قال لي رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-: اقرأ علي، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية