نحن خلقناهم لا غيرنا وشددنا أسرهم أي أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق والأسر في الأصل الشد والربط وأطلق على ما يشد به ويربط كما هنا، وإرادة الأعصاب والعروق لشبهها بالحبال المربوط بها ووجه الشبه ظاهر ومن هنا قد يقول العارف من كان أسره من ذاته وسجنه دنياه في حياته فليشك مدة عمره وليتأسف على وجوده بأسره والمراد شدة الخلق وكونه موثقا [ ص: 167 ] حسنا .
ومنه فرس مأسور الخلق إذا كان موثقه حسنا . وعن الأسر الشرج وفسر بمجرى الفضلة وشد ذلك جعله بحيث إذا خرج الأذى انقبض . مجاهد
ولا يخفى أن هذا داخل في شدة الخلق وكونه موثقا حسنا وإذا شئنا بدلنا أمثالهم أي أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق تبديلا بديعا لا ريب فيه يعني البعث والنشأة الأخرى فالتبديل في الصفات لأن المعاد هو المبتدأ ولكون الأمر محققا كائنا جيء بإذا وذكر المشيئة لإبهام وقته ومثله شائع كما يقول العظيم لمن يسأله الإنعام إذا شئت أحسن إليك ويجوز أن يكون المعنى وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا غيرهم ممن يطيع فالتبديل في الذوات وإذا لتحقق قدرته تعالى عليه وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم فجعل ذلك المقدور المهدد به كالمحقق وعبر عنه بما يعبر به عنه ولعله الذي أراده بما نقل عنه من قوله إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة كأن له وقتا معينا ولا يعترض عليه بقوله تعالى الزمخشري وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم [محمد: 38] لأن النكات لا يلزم اطرادها فافهم . والوجه الأول أوفق بسياق النظم الجليل .