سورة ( المزمل )
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وقال ابن عباس كما ذكر وقتادة الآيتين منها الماوردي واصبر على ما يقولون [المزمل: 10] والتي تليها وحكي في البحر عن الجمهور أنها مكية إلا قوله تعالى: إن ربك يعلم [المزمل: 20] إلى آخرها وتعقبه الجلال السيوطي بعد أن نقل الاستثناء عن حكاية بقوله ويرده ما أخرجه ابن الفرس عن الحاكم أن ذلك نزل بعد نزول صدر السورة بسنة وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك وآيها ثماني عشرة آية في المدني الأخير وتسع عشرة في البصري وعشرون فيما عداهما ولما ختم سبحانه سورة الجن بذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام افتتح عز وجل هذه بما يتعلق بخاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام وهو وجه في المناسبة وفي تناسق الدرر لا يخفى اتصال أولها عائشة قم الليل [المزمل: 2] إلخ بقوله تعالى في آخر تلك وأنه لما قام عبد الله يدعوه [الجن: 19] وبقوله سبحانه وأن المساجد لله [الجن: 18] الآية .
( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقال : الأخفش يا أيها المزمل أي المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرأ على الأصل أبي «المزمل» بتخفيف الزاي وكسر الميم أي المزمل جسمه أو نفسه وبعض السلف «المزمل» بالتخفيف وفتح الميم اسم مفعول ولا تدافع بين القراءات فإنه عليه الصلاة والسلام هو زمل نفسه الكريمة من غير شبهة لكن إذا نظر إلى أن كل أفعاله من الله تعالى فقد زمله [ ص: 101 ] غيره ولا حاجة إلى أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم زمل نفسه أولا ثم نام فزمله غيره أو أنه زمله غيره أولا ثم سقط عنه ما زمل به فزمل هو نفسه، والجمهور على وعكرمة أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع إلى رضي الله تعالى عنها فقال: «زملوني زملوني » فنزلت خديجة يا أيها المدثر وعلى أثرها نزلت يا أيها المزمل .
وأخرج البزار في الأوسط والطبراني في الدلائل عن وأبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال: جابر قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه فقالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر قالوا يفرق بين الحبيب وحبيبه فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا أيها المزمل يا أيها المدثر لما اجتمعت
ونداؤه عليه الصلاة والسلام بذلك تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها
كرم الله تعالى وجهه حين غاضب لعلي رضي الله عنها فأتاه وهو نائم لصق بجنبه التراب «قم أبا تراب» فاطمة كقوله صلى الله عليه وسلم
قصدا لرفع الحجاب وطي بساط العتاب وتنشيطا له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل:
وكل ما يفعل المحبوب محبوب وزعم أنه عليه الصلاة والسلام نودي بذلك تهجينا للحالة التي عليها من التزمل في قطيفة واستعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن إلى آخر ما قال مما ينادي عليه كما قال الأكثرون بسوء الأدب ووافقه في بعضه من وافقه وقال صاحب الكشف أراد أنه عليه الصلاة والسلام وصف بما هو ملتبس به يذكره تقاعده فهو من لطيف العتاب الممزوج بمحض الرأفة ولينشطه ويجعله مستعدا لما وعده تعالى بقوله سبحانه الزمخشري إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل: 5] ولا يربأ برسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا النداء فقد خوطب بما هو أشد في قوله تعالى عبس وتولى [عبس: 1] ومثل هذا من خطاب الإدلال والترؤف لا يتقاعد ما في ضمنه من البر والتقريب عما في ضمن يا أيها النبي [الأنفال: 64] وغيرها . (يا أيها الرسول ) [المائدة: 41، 67] من التعظيم والترحيب انتهى .
ولا يخفى أنه لا يندفع به سوء أدب في تعبيره فإنه تعالى وإن كان له أن يخاطب حبيبه بما شاء لكنا نحن لا نجري على ما عامله سبحانه به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب وقيل كان صلى الله عليه وسلم متزملا بمرط الزمخشري رضي الله تعالى عنها يصلي فنودي بذلك ثناء عليه وتحسينا لحاله التي كان عليها ولا يأباه الأمر بالقيام بعد إما لأنه أمر بالمداومة على ذلك والمواظبة عليه أو تعليم له عليه الصلاة والسلام وبيان لمقدار ما يقوم على ما قيل نعم أورد عليه أن السورة من أوائل ما نزل لعائشة بمكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما =بني على رضي الله عنها عائشة بالمدينة مع أن الأخبار الصحيحة متضافرة بأن النداء المذكور كان وهو عليه الصلاة والسلام في بيت رضي الله تعالى عنها ويعلم منه حال ما روي خديجة عن أنها سئلت ما كان تزميله صلى الله عليه وسلم قالت كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلي وكان سداه شعرا ولحمته وبرا عائشة .
وتكلف صاحب الكشف فقال الجواب أنه عليه الصلاة والسلام عقد في مكة فلعل المرط بعد العقد صار إليه صلى الله عليه وسلم نعم دل أنه بعد وفاة إنما إشكال في قول خديجة نصفه علي إلخ وجوابه أنه يمكن أن يكون قد بات صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله تعالى عنه ذات ليلة وكان المرط على الصديق وهي طفلة والباقي لطوله على النبي عليه الصلاة والسلام فحكت ذلك أم المؤمنين إذ لا دلالة على أنها حكاية ما بعد البناء فهذا ما يتكلف لصحة هذا القول انتهى وأنت تعلم أن هذا الحديث لم يقع في الكتب الصحيحة [ ص: 102 ] كما قاله عائشة ابن حجر بل هو مخالف لها ومثل الاحتمالات لا يكتفى بها بل قال إنه كذب صريح وعن أبو حيان قتادة كان صلى الله عليه وسلم قد تزمل في ثيابه للصلاة واستعد لها فنودي بيا أيها المزمل على معنى يا أيها المستعد للعبادة . وقال : المعنى يا أيها المزمل للنبوة وأعبائها والزمل كالحمل لفظا ومعنى ويقال ازدمله أي احتمله وفيه تشبيه إجراء مراسم النبوة بتحمل الحمل الثقيل لما فيهما من المشقة وجوز أن يكون كناية عن المتثاقل لعدم التمرن وأورد عليه نحو ما أورد على وجه عكرمة ومع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا حاجة إلى غيره كما قيل . الزمخشري