وأنفقوا من ما رزقناكم أي بعض ما أعطيناكم وتفضلنا به عليكم من الأموال ادخارا للآخرة من قبل أن يأتي أحدكم الموت أي أماراته ومقدماته ، فالكلام على تقدير مضاف ، ولذا فرع على ذلك قوله تعالى : فيقول رب لولا أخرتني أي أمهلتني إلى أجل قريب أي أمد قصير فأصدق أي فأتصدق ، وبذلك قرأ أبي وعبد الله ، ونصب الفعل في جواب التمني والجزم في قوله سبحانه : وابن جبير وأكن من الصالحين بالعطف على موضع فأصدق كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن ، وإلى هذا ذهب . أبو علي الفارسي ، وحكى والزجاج عن سيبويه أنه على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني لأن الشرط غير ظاهر ولا يقدر حتى يعتبر العطف على الموضع كما في قوله تعالى : الخليل من يضلل الله فلا هادي له [الأعراف : 186] ويذرهم فيمن قرأ بالجزم وهو حسن بيد أن التعبير بالتوهم هنا ينشأ منه توهم قبيح ، والفرق بين العطف [ ص: 118 ]
على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود ، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود ، واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبي علي العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير . والزجاج
وقرأ الحسن وابن جبير وأبو رجاء وابن أبي إسحاق ومالك بن دينار والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري . «وأكون » بالنصب وهو ظاهر ، وقرأ وأبو عمرو عبد بن عمير «وأكون » بالرفع على الاستئناف والنحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثال ذلك من أفعال المستأنفة ، فيقال هنا : أي وأنا أكون ولا تراهم يهملون ذلك ، ووجه بأن ذلك لأن الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا ولا بدونها ، وتعقب بأنه لم يذهب إلى عدم صلاحيته لذلك أحد من النحاة وكأنه لهذا صرح العلامة التفتازاني بأن التزام التقدير مما لم يظهر له وجهه ، وقيل : وجهه أن الاستئناف بالاسمية أظهر وهو كما ترى ، وجوز كون الفعل على هذه القراءة مرفوعا بالعطف على - أصدق - على نحو القولين السابقين في الجزم ، هذا وعن أنه قال في قوله تعالى : الضحاك أنفقوا مما رزقناكم يعني الزكاة والنفقة في الحج ، وعليه قول فيما أخرج عنه ابن عباس : ابن المنذر فأصدق أزكي وأكن من الصالحين أحج ، وأخرج الترمذي وابن جرير وغيرهم عنه أيضا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والطبراني فقال له رجل : يا «من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت » اتق الله تعالى فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا ابن عباس يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله إلى آخر السورة كذا في الدر المنثور .
وفي أحكام القرآن رواية عنه ذلك موقوفا عليه ، وحكي عنه في البحر وغيره أنه قال : إن الآية نزلت في مانع الزكاة ، ووالله لو رأى خيرا لما سأل الرجعة ، فقيل له : أما تتقي الله تعالى يسأل المؤمنون الكرة ؟ ! فأجاب بنحو ما ذكر ، ولا يخفى أن الاعتراض عليه وكذا الجواب أوفق بكونه نفسه ادعى سؤال الرجعة ولم يرفع الحديث بذلك ، وإذا كان قوله تعالى : الترمذي لولا أخرتني إلخ سؤالا للرجعة بمعنى الرجوع إلى الدنيا بعد الموت لم يحتج قوله تعالى : من قبل أن يأتي أحدكم الموت إلى تقدير مضاف كما سمعت آنفا .