هو الله الخالق المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة ، أو مبدع الأشياء من غير أصل ولا احتذاء ، ويفسر الخلق بإيجاد الشيء البارئ الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه بحسب الحكمة والجبلة ، وقيل : المميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة المصور الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد .
وقال : الصورة ما تنتقش بها الأعيان وتتميز بها عن غيرها ، وهي ضربان : محسوسة تدركها العامة والخاصة بل الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الفرس المشاهدة . ومعقولة تدركها الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء ، وإلى الصورتين أشار بقوله سبحانه : الراغب خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف : 11] إلى آيات أخر انتهى فلا تغفل .
وقرأ كرم الله تعالى وجهه علي وحاطب بن أبي بلتعة والحسن وابن السميفع «المصور » بفتح الواو والنصب على أنه مفعول للبارئ ، وأريد به جنس المصور ، وعن كرم الله تعالى وجهه فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول نحو الضارب الغلام ، وفي الخانية إن قراءة «المصور » بفتح الواو هنا تفسد الصلاة ولعله أراد إذا أجراه حينئذ على الله سبحانه ، وإلا ففي دعوى الفساد بعد ما سمعت نظر . علي
له الأسماء الحسنى الدالة على محاسن المعاني يسبح له ما في السماوات والأرض من الموجودات بلسان الحال لما تضمنته من الحكم والمصالح التي يضيق عن حصرها نطاق البيان ، أو بلسان المقال الذي أوتيه كل منها حسبما يليق به على ما قاله كثير من العارفين ، وقد تقدم الكلام فيه وهو العزيز الحكيم الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى كمال القدرة المؤذن به العزيز بناء على تفسيره بالغالب وإلى كمال العلم المؤذن به الحكيم بناء على تفسيره بالفاعل بمقتضى الحكمة ، وفي ذلك إشارة إلى التحلية بعد التخلية كما في قوله تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى : 11] فتأمل ولا تغفل .
ولهذه الآيات فضل عظيم كما دلت عليه عدة روايات ، وأخرج الإمام أحمد والدارمي وحسنه والترمذي والطبراني وابن الضريس في الشعب عن والبيهقي معقل بن يسار عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : . «من قال : حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة »
وأخرج عن الديلمي مرفوعا ابن عباس «اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر » .
وأخرج أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري في فوائده عن محمد بن الحنفية أن قال البراء بن عازب لعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه : أسألك بالله إلا ما خصصتني بأفضل ما خصك به رسول الله عليه الصلاة والسلام مما خصه به جبريل مما بعث به الرحمن عز وجل ، قال : يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر الحشر ، ثم قل : يا من هو هكذا وليس شيء هكذا غيره أسألك أن تفعل لي كذا وكذا فوالله يا براء لو دعوت علي لخسف بي .
[ ص: 65 ]
وأخرج الديلمي عن كرم الله تعالى وجهه علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال في قوله تعالى : وابن مسعود لو أنزلنا إلى آخر السورة هي رقية الصداع .
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال : أنبأنا الحافظ أنبأ أبو عبيد أبو الطيب محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر المقرئ البغدادي - يعرف بغلام ابن شنبوذ - أنبأ إدريس بن عبد الكريم الحداد قال : قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية لو أنزلنا هذا القرآن على جبل قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش يحيى بن وثاب فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا ضع يدك على رأسك فإنا قرأنا على عبد الله رضي الله تعالى عنه فلما بلغنا هذه الآية قال ضعا أيديكما على رؤوسكما فإني قرأت على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية قال لي : «ضع يدك على رأسك فإن جبريل عليه السلام لما نزل بها إلي قال : ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت » إلى غير ذلك من الآثار ، والله تعالى أعلم .