فالخبز واللحم لهن راهن وقهوة راووقها ساكب
وفي التعبير بمقبوضة دون تقبضونها إيماء إلى الاكتفاء بقبض الوكيل ولا يتوقف على قبض المرتهن نفسه وقرئ (فرهن) كسقف وهو جمع رهن أيضا، وقرئ بسكون الهاء تخفيفا.فإن أمن بعضكم بعضا أي بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه سفرا أو حضرا فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن، وقرأ (فإن أومن) أي آمنه الناس ووصفوا المديون بالأمانة والوفاء والاستغناء عن التوثق من مثله، و أبي بعضا على هذا منصوب بنزع الخافض كما قيل فليؤد الذي اؤتمن وهو المديون وعبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقا للإعلام ولحمله على الأداء أمانته أي دينه، والضمير لرب الدين أو للمديون باعتبار أنه عليه، والأمانة مصدر أطلق على الدين الذي في الذمة وإنما سمي أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان به. [ ص: 63 ]
وقرئ (الذيتمن) بقلب الهمزة ياء، وعن أنه قرأ (الذتمن) بإدغام الياء في التاء، وقيل: هو خطأ لأن المنقلبة عن الهمزة في حكمها فلا يدغم، ورد بأنه مسموع في كلام عاصم العرب، وقد نقل ابن مالك جوازه لأنه قال: إنه مقصور على السماع، ومنه قراءة ابن محيصن (اتمن) ونقل الصاغاني أن القول بجوازه مذهب الكوفيين، وورد مثله في كلام أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهي من الفصحاء المشهود لهم، ففي عائشة عنها : البخاري فالمخطئ مخطئ " كان صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر "، وليتق الله ربه في الخيانة وإنكار الحق، وفي الجمع بين عنوان الألوهية وصفة الربوبية من التأكيد والتحذير ما لا يخفى، وقد أمر سبحانه بالتقوى عند الوفاء حسبما أمر بها عند الإقرار تعظيما لحقوق العباد وتحذيرا عما يوجب وقوع الفساد.
ولا تكتموا الشهادة أي لا تخفوها بالامتناع عن أدائها إذا دعيتم إليها وهو خطاب للشهود المؤمنين كما روي عن وغيره وجعله خطابا للمديونين على معنى لا تكتموا شهادتكم على أنفسكم بأن تقروا بالحق عند المعاملة، أو لا تحتالوا بإبطال شهادة الشهود عليكم بالجرح ونحوه عند المرافعة خلاف الظاهر المأثور عن السلف الصالح، وقرئ (يكتموا) على الغيبة. سعيد بن جبير
ومن يكتمها فإنه آثم قلبه الضمير في (إنه) راجع إلى (من) وهو الظاهر، وقيل: إنه ضمير الشأن والجملة بعده مفسرة له، و (آثم) خبر (إن) وقلبه فاعل له لاعتماده ولا يجيء هذا على القول بأن الضمير للشأن لأنه لا يفسر إلا بالجملة والوصف مع مرفوعه ليس بجملة عند البصري، والكوفي يجيز ذلك، وقيل: إنه خبر مقدم وقلبه مبتدأ مؤخر، والجملة خبر (إن) وعليه يجوز أن يكون الضمير للشأن وأن يكون لمن وقيل: (آثم) خبر (إن) وفيه ضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير إنه وقلبه بدل من ذلك الضمير بدل بعض من كل، وقيل: (آثم) مبتدأ و (قلبه) فاعل سد مسد الخبر، والجملة خبر (إن)، وهذا جائز عند الفراء من الكوفيين من البصريين وجمهور النحاة لا يجوزونه وأضاف الآثم إلى القلب مع أنه لو قيل: (فإنه آثم) لتم المعنى مع الاختصار، لأن الآثم بالكتمان وهو مما يقع بالقلب وإسناد الفعل بالجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي؟ ولأن الإثم وإن كان منسوبا إلى جملة الشخص لكنه اعتبر الإسناد إلى هذا الجزء المخصوص متجوزا به عن الكل لأنه أشرف الأجزاء ورئيسها، وفعله أعظم من أفعال سائر الجوارح، فيكون في الكلام تنبيه على أن الكتمان من أعظم الذنوب، وقيل: أسند الإثم إلى القلب لئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، وقيل: للإشارة إلى أن أثر الكتمان يظهر في قلبه كما جاء في الخبر: والأخفش " إذا أذنب العبد يحدث في قلبه نكتة سوداء وكلما أذنب زاد ذلك حتى يسود ذلك بتمامه " ، أو للإشارة إلى أنه يفسد قلبه فيفسد بدنه كله، فقد ورد والكل ليس بشيء كما لا يخفى، وقرئ (قلبه) بالنصب على التشبيه بالمفعول به. و (آثم) صفة مشبهة، وجوز " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "، كونه بدلا من اسم إن بدل بعض من كل، وبعضهم كونه تمييزا واستبعده أبو حيان وقرأ أبو البقاء، ابن أبي عبلة آثم قلبه أي جعله آثما.
والله بما تعملون من كتمان الشهادة وأدائها على وجهها وغير ذلك عليم [ 283 ] فيجازيكم بذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر.