(طسم) قال الطاء طرب التائبين في ميدان الرحمة، والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة، والميم مقام المحبين في ميدان القربة. الجنيد:
وقيل: الطاء طهارة القدم من الحدثان، والسين سناء صفاته تعالى التي تكشف في مرايا البرهان، والميم مجده سبحانه الذي ظهر بوصف البهاء في قلوب أهل العرفان.
وقيل: الطاء طهارة قلب نبيه - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن تعلقات الكونين، والسين سيادته - صلى الله تعالى عليه وسلم - على الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - والميم مشاهدته - عليه الصلاة والسلام - جمال رب العالمين.
وقيل: الطاء شجرة طوبى، والسين سدرة المنتهى، والميم محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - وقيل غير ذلك.
لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إلخ ... فيه إشارة إلى وأن الحرص على إيمان الكافر لا يمنع سوابق الحكم. كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته،
وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون إلى آخر القصة فيه إشارة إلى حسن التعاضد في المصالح الدينية، والتلطف بالضال في إلزامه بالحجج القطعية، وأنه لا ينبغي عدم الاحتفال بمن ربيته صغيرا ثم رأيته وقد منحه الله تعالى ما منحه من فضله كبيرا.
وقال بعضهم: إن فيه إشارة إلى ما في الأنفس، وجعل موسى إشارة إلى موسى القلب، وفرعون إشارة إلى فرعون النفس، وقومه إشارة إلى الصفات النفسانية، وبني إسرائيل إشارة إلى الصفات الروحانية، والفعلة إشارة إلى قتل قبطي الشهوة، والعصا إشارة إلى عصا الذكر، أعني (لا إله إلا الله) واليد إشارة إلى يد القدرة، وكونها بيضاء إشارة إلى كونها مؤيدة بالتأييد الإلهي، والناظرين إشارة إلى أرباب الكشف الذين ينظرون بنور الله تعالى، والسحرة إشارة إلى الأوصاف البشرية والأخلاق الردية، والناس إشارة إلى الصفات الناسوتية، والأجر إشارة إلى الحظوظ الحيوانية، والحبال إشارة إلى حبال الحيل، والعصي إشارة إلى عصي التمويهات والمخيلات، والمدائن إشارة إلى أطوار النفس، وهكذا.
وعلى هذا الطريق سلكوا في الإشارة في سائر القصص، فجعلوا إبراهيم إشارة إلى القلب، وأباه وقومه إشارة إلى الروح وما يتولد منها، والأصنام إشارة إلى ما يلائم الطباع من العلويات والسفليات، وهكذا مما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وللشيخ الأكبر - قدس سره - في هذه القصص كلام عجيب، من أراده فليطلبه في كتبه، وهو - قدس سره - ممن ذهب إلى أن خطيئةإبراهيم - عليه السلام - التي أرادها بقوله: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين كانت إضافة المرض إلى نفسه في قوله: وإذا مرضت فهو يشفين وقد ذكر - قدس سره - أنه اجتمع مع إبراهيم - عليه السلام - فسأله عن مراده بها فأجابه بما ذكر.
وقال في باب أسرار الزكاة من الفتوحات: إن قول الرسول ( إن أجري إلا على رب العالمين ) لا يقدح في كمال عبوديته، فإن قوله ذلك لأن يعلم أن كل عمل خالص يطلب الأجر بذاته، وذلك لا يخرج العبد عن أوصاف العبودية، فإن العبد في صورة الأجير وليس بأجير حقيقة؛ إذ لا يستأجر السيد عبده بل يستأجر [ ص: 154 ] الأجنبي، وإنما العمل نفسه يقتضي الأجرة وهو لا يأخذها، وإنما يأخذها العامل وهو العبد، فهو قابض الأجرة من الله تعالى فأشبه الأجير في قبض الأجرة وخالفه بالاستئجار اهـ.
وحقق أيضا ذلك في الباب السادس عشر والثلاثمائة من الفتوحات، وذكر في الباب السابع عشر والأربعمائة منها أن أجر كل نبي يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين.
وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون فيه إشارة إلى أنه لأنه خلق من نار وليس لها قوة حمل النور، ألا ترى أن نار الجحيم كيف تستغيث عند مرور المؤمن عليها، وتقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ولنحو ذلك ليس له قوة على سمعه. ليس للشيطان قوة حمل القرآن؛
وهذا بالنسبة إلى أول مراتب ظهوره، فلا يرد أنه يلزم - على ما ذكر - أن وليس كذلك، نعم، ذكر أنهم لا يقدرون أن يسمعوا آية الكرسي، وآخر البقرة؛ وذلك لخاصية فيهما. الشياطين لا يسمعون آيات القرآن إذا تلوناها ولا يحفظونها،
وأنذر عشيرتك الأقربين فيه إشارة إلى أن ولما كان حجاب القرابة كثيفا أمر - صلى الله عليه وسلم - بإنذار عشيرته الأقربين النسب إذا لم ينضم إليه الإيمان لا ينفع شيئا، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين هم أهل النسب المعنوي، الذي هو أقرب من النسب الصوري، كما أشار إليه ابن الفارض - قدس سره - بقوله:
نسب أقرب في شرع الهوى بيننا من نسب من أبوي
وأنا أحمد الله تعالى كما هو أهله على أن جعلني من الفائزين بالنسبين؛ حيث وهب لي الإيمان، وجعلني من ذرية سيد الكونين - صلى الله تعالى عليه وسلم - فها أنا من جهة أم أبي من ذرية ومن جهة أبي من ولد الحسن، - رضي الله تعالى عنهما -: الحسين
نسب كأن عليه من شمس الضحى نورا ومن فلق الصباح عمودا
والله - عز وجل - هو ولي الإحسان، المتفضل بصنوف النعم على نوع الإنسان، والصلاة والسلام على سيد العالمين وآله وصحبه أجمعين.