ولقد أتوا جملة مستأنفة مسوقة لبيان مشاهدة كفار قريش لآثار هلاك بعض الأمم المتبرة وعدم اتعاظهم بها، وتصديرها بالقسم لتقرير مضمونها؛ اعتناء به، و(أتى) مضمن معنى مر لتعديه بـ(على) والمعنى: بالله لقد مر قريش في متاجرهم إلى الشام .
على القرية التي أمطرت مطر السوء وهي سذوم، وهي أعظم قرى قوم لوط، سميت باسم قاضيها سذوم - بالذال المعجمة على ما صححه واعتمده في الكشف - وفي المثل: (أجور من سذوم) أهلكها الله تعالى بالحجارة، وهو المراد بمطر السوء، وكذا أهلك سائر قراهم - وكانت خمسا - إلا قرية واحدة وهي زغر لم يهلكها؛ لأن أهلها لم يعملوا العمل الخبيث كما روي عن الأزهري رضي الله تعالى عنهما. ابن عباس
وإفراد القرية بالذكر لما أشرنا إليه، وانتصب ( مطر ) على أنه مفعول ثان لـ(أمطرت) على معنى أعطيت أو أوليت، أو على أنه مصدر مؤكد بحذف الزوائد، أي: إمطار السوء كما قيل في أنبتكم من الأرض نباتا ، وجوز أن يكون صفة لمحذوف، أي إمطارا مثل مطر السوء، وليس بشيء. أبو البقاء
وقرأ : (مطرت) ثلاثيا مبنيا للمفعول، زيد بن علي ومطر مما يتعدى بنفسه، وقرأ أبو السمال «مطر السوء» بضم السين أفلم يكونوا يرونها توبيخ على تركهم التذكر عند مشاهدة ما يوجبه، والهمزة لإنكار نفي استمرار رؤيتهم لها وتقرير استمرارها حسب استمرار ما يوجبها من إتيانهم عليها لا لإنكار استمرار نفي رؤيتهم وتقرير رؤيتهم لها، والفاء لعطف مدخولها على مقدر يقتضيه المقام، أي: ألم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها، أو كانوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها في مرار مرورهم ليتعظوا بما كانوا يشاهدونه من آثار العذاب.
والمنكر في الأول النظر وعدم الرؤية معا، وفي الثاني عدم الرؤية مع تحقق النظر الموجب لها عادة، كذا في إرشاد العقل السليم.
ولم يقل: أفلم يرونها - مع أنه أخصر وأظهر قصدا - لإفادة التكرار مع الاستمرار، ولم يصرح في أول الآية بنحو ذلك بأن يقال: (ولقد كانوا يأتون) بدل (ولقد أتوا) للإشارة إلى أن المرور - ولو مرة - كاف في العبرة، فتأمل.
وقوله تعالى: بل كانوا لا يرجون نشورا إما إضراب عما قبله من عدم رؤيتهم لآثار ما جرى على أهل القرى من العقوبة وبيان لكون عدم اتعاظهم بسبب إنكارهم لكون ذلك عقوبة لمعاصيهم لا لعدم رؤيتهم لآثارهم، خلا أنه اكتفي عن التصريح بإنكارهم ذلك بذكر ما يستلزمه من إنكار الجزاء الأخروي، وقد كني عن ذلك بعدم رجاء النشور، والمراد بالرجاء التوقع مجازا، كأنه قيل: بل كانوا لا يتوقعون النشور المستتبع للجزاء الأخروي وينكرونه، ولا يرون لنفس من النفوس نشورا أصلا مع [ ص: 22 ] تحققه حتما، وشموله للناس عموما، واطراده وقوعا، فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الاطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك وإنما يحملونه على الاتفاق، وإما انتقال من التوبيخ بما ذكر من ترك التذكر إلى التوبيخ بما هو أعظم منه من عدم رجاء النشور، وحمل الرجاء على التوقع وعموم النشور أوفق بالمقام. وقيل: هو على حقيقته، أعني انتظار الخير، والمراد بالنشور نشور فيه خير كنشور المسلمين.
وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة، والمراد بالنشور نشورهم، والكل كما ترى