وعادا عطف على ( قوم نوح ) أي: ودمرنا عادا، أو واذكر عادا على ما قيل، ولا يصح أن يكون عطفا إذا نصب على الاشتغال؛ لأنهم لم يغرقوا.
وقال أبو إسحاق : هو معطوف على (هم) من ( جعلناهم للناس آية ) ويجوز أن يكون معطوفا على محل (الظالمين) فإن الكلام بتأويل (وعدنا الظالمين) اهـ، ولا يخفى بعد الوجهين ( وثمود ) الكلام فيه وفيما بعده كما فيما قبله.
وقرأ عبد الله ، وعمرو بن ميمون ، ، والحسن (وثمود) غير مصروف على تأويل القبيلة، وروي ذلك عن وعيسى حمزة ، والجمهور بالصرف، ورواه وعاصم ، عن عبد بن حميد على اعتبار الحي، أو أنهم سموا بالأب الأكبر عاصم وأصحاب الرس عن : هم قوم ثمود، ويبعده العطف؛ لأنه يقتضي التغاير، وقال ابن عباس : هم أهل قرية من قتادة اليمامة يقال لها الرس والفلج ، قيل: قتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود وقوم صالح ، وقال كعب ومقاتل : أهل بئر يقال له والسدي الرس بأنطاكية الشام قتلوا فيها صاحب يس وهو حبيب النجار .
وقيل: هم قوم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر - أي دسوه فيه - وقال وهب : أصحاب الرس وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما والكلبي شعيب ، وكان أصحاب الرس قوما من عبدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش فدعاهم [ ص: 20 ] إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه - عليه السلام - فبينما هم حول الرس - وهي البئر غير المطوية كما روي عن - انهارت بهم وبدارهم. أبي عبيدة
وقال - كرم الله تعالى وجهه - فيما نقله علي : هم قوم عبدوا شجرة يقال لها: شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له، في حديث طويل. الثعلبي
وقيل: هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان ، كانوا مبتلين بالعنقاء - وهي أعظم ما يكون من الطير - وكان فيها من كل لون، وسميت عنقاء لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتح، وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد، ولإتيانها بهذا الأمر الغريب سميت مغربا، وقيل: لأنها اختطفت عروسا، وقيل: لغروبها أي غيبتها، وقيل: لأن وكرها كان عند مغرب الشمس، ويقال فيها: عنقاء مغرب بالتوصيف والإضافة مع ضم الميم وفتحها، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة فهلكت، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا.
وقيل: هم قوم أرسل إليهم نبي فأكلوه، وقيل: قوم نساؤهم سواحق، وقيل: قوم بعث إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر، وقيل: هم أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود، وفي رواية عن : أنه بئر ابن عباس أذربيجان ، وقيل: الرس ما بين نجران إلى اليمن إلى حضرموت. وقيل: هو ماء ونخل لبني أسد . وقيل: نهر من بلاد المشرق بعث الله تعالى إلى أصحابه نبيا من أولاد يهوذا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانا فشكا إلى الله تعالى منهم فحفروا له بئرا وأرسلوه فيه وقالوا: نرجو أن ترضى عنا آلهتنا، فكانوا عليه يومهم يسمعون أنين نبيهم، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات، وأظلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص.
وروى ، عكرمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحمد بن كعب القرظي أن أصحاب الرس أخذوا نبيهم فرسوه في بئر، وأطبقوا عليه صخرة، فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى البئر فيعينه الله تعالى على تلك الصخرة فيرفعها فيعطيه ما يغذيه به، ثم يرد الصخرة على فم البئر إلى أن ضرب الله تعالى على أذن ذلك الأسود فنام أربع عشرة سنة، وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به، في حديث طويل، ذكر فيه أن ذلك الأسود . وهذا إذا صح كان القول الذي لا يمكن خلافه، لكن يشكل عليه إيرادهم هنا، وأجاب عنه أول من يدخل الجنة بأنه يمكن أنهم كفروا بعد ذلك فأهلكوا، فذكرهم الله تعالى مع من ذكر من المهلكين، وملخص الأقوال أنهم قوم أهلكهم الله تعالى بتكذيب من أرسل إليهم. الطبري
وقرونا أي: أهل قرون، وتقدم الكلام في القرن بين ذلك أي المذكور من الأمم، وللتعدد حسن بين من غير عطف كثيرا يطول الكلام جدا بذكرها، ولا يبعد أن يكون قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدارها، وقوله تعالى: ومنهم من لم نقصص عليك ليس نصا في نفي العلم بالمقدار كما لا يخفى.
وفي إرشاد العقل السليم: لعل الاكتفاء في شؤون تلك القرون بهذا البيان الإجمالي لما أن كل قرن منها لم يكن في الشهرة وغرابة القصة بمثابة الأمم المذكورة.