( والأيامى) . كما نقل في التحرير عن وإليه ذهب أبي عمرو . مقلوب أيايم جمع أيم لأن فيعل لا يجمع على فعالى أي إن أصله ذلك فقدمت الميم وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وذهب الزمخشري ابن مالك ومن تبعه إلى أنه جمع شاذ لا قلب فيه ووزنه فعالى وهو ظاهر كلام ، والأيم قال سيبويه النضر بن شميل : كل ذكر لا أنثى معه وكل أنثى لا ذكر معها بكرا أو ثيبا ويقال: آم وآمت إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين وقال:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم
وقال في شرح ديوان التبريزي أبي تمام : قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته وفي المرأة إذا مات زوجها، وفي الشعر القديم ما يدل على أن ذلك بالموت وبترك الزوج من غير موت قال الشماخ:
يقر لعيني أن أحدث أنها وإن لم أنلها أيم لم تزوج
انتهى، وفي شرح كتاب سيبويه لأبي بكر الخفاف الأيم التي لا زوج لها وأصله التي كانت متزوجة ففقدت زوجها برزء طرأ عليها ثم قيل في البكر مجازا لأنها لا زوج لها، وعن محمد أنها الثيب واستدل له بما
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها»
حيث قابلها بالبكر، وفيه أنه يجوز أن تكون مشتركة لكن أريد منها ذلك لقرينة المقابلة والأكثرون على ما قاله النضر [ ص: 148 ] أي زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر والصالحين من عبادكم وإمائكم على أن الخطاب للأولياء والسادات، والمراد بالصلاح معناه الشرعي، واعتباره في الأرقاء لأن من لا صلاح له منهم بمعزل من أن يكون خليقا بأن يعتني مولاه بشأنه ويشفق عليه ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعا وعادة من بذل المال والمنافع بل ربما يحصل له ضرر منه بتزويجه فحقه أن يستبقيه عنده ولما لم يكن من لا صلاح له من الأحرار والحرائر بهذه المثابة لم يعتبر صلاحهم، وقيل المراد بالصلاح معناه اللغوي أي الصالحين للنكاح والقيام بحقوقه، والأمر هنا قيل للوجوب وإليه ذهب أهل الظاهر، وقيل للندب وإليه ذهب الجمهور.
ونقل الإمام عن أبي بكر الرازي أن الآية وإن اقتضت الإيجاب إلا أنه أجمع السلف على أنه لم يرد الإيجاب، ويدل عليه أمور، أحدها أن الإنكاح ولو كان واجبا لكان النقل بفعله من النبي صلى الله عليه وسلم ومن السلف مستفيضا شائعا لعموم الحاجة فلما وجدنا عصره عليه الصلاة والسلام وسائر الأعصار بعده قد كانت فيه أيامى من الرجال والنساء ولم ينكر ذلك ثبت أنه لم يرد بالأمر والإيجاب، وثانيها أنا أجمعنا على أن لم يكن للولي إجبارها، وثالثها اتفاق الكل على أنه لا يجب على السيد تزويج أمته وعبده فيقتضي للعطف عدم الوجوب في الجميع، ورابعها أن اسم الأيامى ينتظم الرجال والنساء فلما لزم في الرجال تزويجهم بإذنهم لزم ذلك في النساء انتهى، وقال الأيم الثيب لو أبت التزويج الإمام نفسه:
ظاهر الأمر للوجوب فيدل على أن وإذا ثبت هذا وجب أن الولي يجب عليه تزويج موليته وإلا لفوتت المولية على الولي المكنة من أداء هذا الواجب وإنه غير جائز. والجواب عما نقل عن لا يجوز النكاح إلا بولي أن جميع ما ذكره تخصيصات تطرقت إلى الآية والعام بعد التخصيص يبقى حجة فوجب إذا أبي بكر وجب انتهى. وفي الإكليل استدل بعموم الآية من أباح التمست المرأة الأيم من الولي التزويج نكاح الإماء بلا شرط ونكاح العبد الحرة.
وأنت تعلم أنها لم تبق على العموم، والذي أميل إليه أن الأمر لمطلق الطلب وأن المراد من الإنكاح المعاونة والتوسط في النكاح أو التمكين فيه، وتوقف صحته في بعض الصور على الولي يعلم من دليل آخر.
والاستدلال بهذه الآية على اشتراط الولي وعلى أن له الجبر في بعض الصور لا يخلو عن بحث ودون تمامه خرط القتاد فتدبر وقرأ الحسن «من عبيدكم» بالياء مكان الألف وفتح العين وهو كالعباد جمع عبد إلا أن استعماله في المماليك أكثر من استعمال العباد فيهم ومجاهد إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله الظاهر أنه وعد من الله عز وجل بالإغناء، وأخرج ذلك ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنهما ولا يبعد أن يكون في ذلك سد لباب التعلل بالفقر وعده مانعا من المناكحة. ابن عباس
وفي الآية شرط مضمر وهو المشيئة فلا يرد أن كثيرا من الفقراء تزوج ولم يحصل له الغنى ودليل الإضمار قوله تعالى: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء [التوبة: 28] وكونه واردا في منع الكفار عن الحرم لا يأبى الدلالة كما توهم أو قوله تعالى: والله واسع أي غني ذو سعة لا يرزأه إغناء الخلائق إذ لا نفاد لنعمته ولا غاية لقدرته عليم يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة فإن مآل هذا إلى المشيئة وهو السر في اختيار عليم يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة فإن مآل هذا إلى المشيئة وهو السر في اختيار عليم دون كريم مع أنه أوفق بواسع نظرا إلى الظاهر. وفي الانتصاف فإن قيل [ ص: 149 ] العرب كذلك فإن غناه معلق بالمشيئة أيضا فلا وجه للتخصيص، فالجواب أنه قد تقرر في الطباع الساكنة إلى الأسباب أن العيال سبب للفقر وعدمهم سبب توفر المال فأريد قطع هذا التوهم المتمكن بأن الله تعالى قد ينمي المال مع كثرة العيال التي هي في الوهم سبب لقلة المال وقد يحصل الإقلال مع العزوبة والواقع يشهد فدل على أن ذلك الارتباط الوهمي باطل وأن الغنى والفقر بفعل الله تعالى مسبب الأسباب ولا توقف لهما إلا على المشيئة فإذا علم الناكح أن النكاح لا يؤثر في الإقتار لم يمنعه في الشروع فيه، ومعنى الآية حينئذ أن النكاح لا يمنعهم الغنى من فضل الله تعالى فعبر عن نفي كونه مانعا عن الغنى بوجوده معه، ومنه قوله تعالى: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض [الجمعة: 10] فإن ظاهره الأمر بالانتشار عند انقضاء الصلاة والمراد تحقيق زوال المانع وأن الصلاة إذا قضيت فلا مانع من الانتشار فعبر عن نفي مانع الانتشار بما يقتضي تقاضي الانتشار مبالغة انتهى، وقال بعضهم في الفرق بين المتزوج والعزب أن الغنى للمتزوج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعده دون العزب وكذلك يوجد الحال إذا استقرئ.
وتعقب بأن فيه غفلة عن قوله تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته [النساء: 130] وكذا عن قوله سبحانه: وليستعفف إلخ، وأشار صاحب الكشف إلى أن في هذه الآية والتي بعدها وعدا للمتزوج والعزب معا بالغنى فلا ورود للسؤال قال: إنه تعالى أمر الأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب بعد وجود الصلاح ثقة بلطف الله تعالى في الإغناء ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغنى تأميلا لهم وأدمج سبحانه أن مدار الأمر على العفة والصلاح على التقديرين وهو الجواب عن سؤال المعترض انتهى، ولا يخفى عليك أن الأخبار الدالة على كثيرة ولم نجد في وعد العزب الذي ليس بصدد النكاح من حيث هو كذلك خبرا. وعد الناكح بالغنى
فقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وصححه والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه والحاكم في سننه عن والبيهقي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة «ثلاثة حق على الله تعالى عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازي في سبيل الله تعالى» .
وأخرج في تاريخه عن الخطيب قال: جابر «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة فأمره أن يتزوج
. وأخرج عن ابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنه قال: أطيعوا الله تعالى فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى: أبي بكر الصديق إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن وابن أبي شيبة رضي الله تعالى عنه قال: ابتغوا الغنى في الباءة. وفي لفظ. ابتغوا الغنى في النكاح يقول الله تعالى: عمر بن الخطاب إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .
وأخرج الثعلبي عن والديلمي رضي الله تعالى عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس التمسوا الرزق بالنكاح»
إلى غير ذلك من الأخبار، ولغنى الفقير إذا تزوج سبب عادي وهو مزيد اهتمامه في الكسب والجد التام في السعي حيث ابتلي بمن تلزمه نفقتها شرعا وعرفا وينضم إلى ذلك مساعدة المرأة له وإعانتها إياه على أمر دنياه، وهذا كثير في العرب وأهل القرى فقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها، وقد ينضم إلى ذلك حصول أولاد له فيقوى أمر التساعد والتعاضد، وربما يكون للمرأة أقارب [ ص: 150 ] يحصل له منهم الإعانة بحسب مصاهرته إياهم ولا يوجد ذلك
في العزب، ويشارك هذا الفقير المتزوج الفقير الذي هو بصدد التزوج بمزيد الاهتمام في الكسب لكن هذا الاهتمام لتحصيل ما يتزوج به وربما يكون لذلك ولتحصيل ما يحسن به حاله بعد التزوج، ولا يخفى أن حال الامرأة المتزوجة وحال الامرأة التي بصدد التزوج على نحو حال الرجل والفرق يسير.
هذا والظاهر من كلام بعضهم أن ما ذكر في الأيامى والصالحين مطلقا وأمر تذكير الضمير ظاهر، وقيل: هو في الأحرار والحرائر خاصة وبذلك صرح الطبرسي لأن الأرقاء لا يملكون وإن ملكوا ولذا لا يرثون ولا يورثون، والمتبادر من الإغناء بالفضل أن يملكوا ما به يحصل الغنى ويدفع الحاجة وهو لا يتحقق مع بقاء الرق، نعم إذا أريد بالإغناء التوسعة ودفع الحاجة سواء كان ذلك بما يملك أم لا فلا بأس بالعموم فتدبر.
وجوز أن تكون الآية في الأحرار خاصة بأن يكون المراد منها وأن تكون في المستنكحين من الرجال مطلقا والمراد نهي الأولياء عن ذلك أيضا فتدبر جميع ذلك. نهي الأولياء عن التعلل بفقرهم إذا استنكحوهم،
واحتج بعضهم. كما قال بالآية على أن ابن الفرس. لأنه سبحانه وعد فيها بالغنى، وفيه مناقشة لا تخفى . النكاح لا يفسخ بالعجز عن النفقة