ولو أن ثوبا حيك من نسج تسعة وعشرين حرفا في علاه قصير
اللهم أغرقنا في بحار مشاهدتك، ومن علينا بخندريس وحدتك، حتى لا نحدث إلا عنك، ولا نسمع إلا منك، ولا نرى إلا إياك، هذا وقد ذكر الإمام السيوطي نقلا عن الشيخ بهاء الدين أنه قال: اتفقوا على أن فيما نحن فيه التفاتا واحدا، وفيه نظر، لأن ، ومن تابعه على أن الالتفات خلاف الظاهر مطلقا، فإن كان التقدير: قولوا الحمد لله، ففي الكلام المأمور به التفاتان أحدهما في لفظ الجلالة، وأصله الحمد لك، لأنه تعالى حاضر، والثاني في إياك لمجيئه على خلاف أسلوب ما قبله، وإن لم يقدر، كان في الحمد لله التفات من التكلم للغيبة، لأنه تعالى حمد نفسه، ولا يكون في إياك التفات لتقدير: قولوا معها قطعا، فأحد الأمرين لازم الزمخشري للزمخشري والسكاكي ،إما أن يكون في الآية التفاتان أو لا يكون التفات أصلا، هذا إن قلنا برأي السكاكي كما يشعر به كلام في الكشاف، لأنه جعل في الشعر الذي ذكره ثلاث التفاتات، وإن قلنا برأي الجمهور، ولم نقدر: قولوا إياك نعبد، فإن قدر: قولوا، قبل الحمد لله، كان فيه التفات واحد وبطل قول الزمخشري ، إن في البيت ثلاث التفاتات، انتهى، وهو كلام يغني النظر فيه عن شرح حاله، فليفهم. الزمخشري(البحث الخامس) في سر فقيل: للتنصيص على طلب العون منه تعالى، فإنه لو قال سبحانه: إياك نعبد ونستعين، لاحتمل أن يكون إخبارا بطلب المعونة من غير أن يعين ممن يطلب، وقيل: إنه لو اقتصر على واحد ربما توهم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالجمع بينهما، والواقع خلافه، وقيل: إنه جمع بينهما للتأكيد، كما يقال: الدار بين زيد وبين عمرو، وفيه أن التكرير إنما يكون تأكيدا، إذا لم يكن معمولا لفعل ثان، وإياك الثاني في الآية معمول لنستعين مفعول له، فكيف يكون تأكيدا؟ وقيل: إنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة، وعندي أن التكرار للإشعار أن حيثية تعلق العبادة به تعالى غير حيثية تعلق طلب الاستعانة منه سبحانه، ولو قال: إياك نعبد ونستعين لتوهم أن الحيثية واحدة، والشأن ليس كذلك، إذ لا بد في طلب الإعانة من توسط صفة، ولا كذلك في العبادة، فلاختلاف التعلق أعاد المفعول ليشير بها إليه. تكرار إياك،
(البحث السادس) في فقيل: ليتناول كل مستعان فيه، فالحذف هنا مثله في قولهم: فلان يعطي، في الدلالة على العموم، ورجح بلزوم الترجيح بلا مرجح في الحمل على بعض، وأيضا قرينة التقييد خفية، وبأنه المروي عن ترجمان القرآن سر إطلاق الاستعانة، رضي الله تعالى عنهما، وبأن عموم المفعول متضمن لنفي الحول والقوة عن نفسه، والانقطاع بالكلية إليه تعالى عمن سواه، فهو أولى بمقام العبادة، وإلى ترجيحه يشير صنيع العلامة ابن عباس ، وقال صاحب الكشاف : الأحسن أن يراد الاستعانة به، وبتوفيقه على أداء العبادة، ويكون قوله تعالى : البيضاوي اهدنا بيانا للمطلوب من المعونة [ ص: 91 ] كأنه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا الصراط المستقيم وإنما كان أحسن لتلاؤم الكلام، وأخذ بعضه بحجزة بعض، انتهى، ووجه التخصيص حينئذ كمال احتياج العبادة إلى طلب الإعانة لكونها على خلاف مقتضى النفس إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي والقرينة مقارنة العبادة، ولا خفاء في وضوحها، وكون عموم المفعول متضمنا لما ذكر، معارض بنكتة التخصيص، والرواية عن رضي الله تعالى عنهما لعلها لم تثبت، كذا قيل، والإنصاف عندي أن الحمل على العموم أولى ليتوافق ألفاظ هذه السورة الكريمة في المعنى المطلوب منها، ولأن التوسل بالعبادة إلى تحصيل مرام يستوعب جميع ما يصح أن يستعان فيه، ليدخل فيه التوفيق دخولا أوليا أولى من مجرد التوفيق، ويلائمه الصراط المستقيم، فإنه أعم من العبادات، والاعتقادات، والأخلاق، والسياسات، والمعاملات، والمناكحات، وغير ذلك من الأمور الدينية، والنجاة من شدائد القبر والبرزخ والحشر والصراط والميزان ومن عذاب النار والوصول إلى دار القرار، والفوز بالدرجات العلى، وكلها مفتقر إلى إعانة الله تعالى، وفضله، وأيضا طرق الضلالات التي يستعاذ منها بغير المغضوب عليهم، ولا الضالين، لا نهاية لها، وباستعانته يتخلص من مهالكها، وأيضا لا يخفى أن المراد بالعبادة في ابن عباس إياك نعبد هي وما يتعلق بها، وما تتوقف عليه، فإذا توافق الاستعانة في العموم، وأيضا قوله: أنعمت عليهم مطلق شامل كل إنعام، وأيضا لو كان المراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة يبقى حكم الاستعانة في غيرها غير معلوم في أم الكتاب، ولا أظن أحدا يقول: إنه يعلم من هذا التخصيص، فلا أختار أنا إلا العموم، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : لابن عباس الحديث، وهو ظاهر فيه، ولعل (إذا استعنت فاستعن بالله)، من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه، وهو الظن الغالب، فمن استعان بغيره في المهمات بل وفي غيرها فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، أفلا يستعان به وهو الغني الكبير، أم كيف يطلب من غيره، والكل إليه فقير، وإني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه، وضلة من عقله، فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا، وراموا الثروة من سواه فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا، فلا مستعان إلا به، ولا عون إلا منه. ابن عباس
إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة رعاها وماء المزن ينهل ساكبه
بقي الكلام في ربط هذه الجملة بما قبلها، وقد قيل: إن عندنا احتمالات أربعة، لأن طلب المعونة إما في المهمات كلها، أو في أداء العبادة، والصراط المستقيم إما أن يؤخذ بمعنى خاص كملة الإسلام، أو بمعنى عام كطريق الحق، خلاف الباطل، فعلى تقديري عموم الاستعانة والصراط وخصوصهما، يكون اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة، كأنه قال: كيف أعينكم في المهمات أو في العبادة؟ فقالوا: اهدنا طريق الحق في كل شيء، أو ملة الإسلام، فيكون الفصل لشبه كمال الاتصال، وعلى تقدير عموم الاستعانة وخصوص الصراط يكون اهدنا إفرادا للمقصود الأعظم من جميع المهمات، فيكون الفصل حينئذ لكمال الاتصال، وأما على تقدير خصوص الاستعانة وعموم الصراط، فلا ارتباط، وما عندي غير خفي عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك، وقد قرأ الحسن ، والضحاك : (صراطا مستقيما) دون تعريف، وقرأ وزيد بن علي : (صراط المستقيم) بالإضافة، والمتواتر ما تلوناه جعفر الصادق صراط الذين أنعمت عليهم بدل من الصراط الأول بدل الكل من الكل، وهو الذي يسميه ابن مالك : البدل الموافق أو المطابق تحاشيا من إطلاق الكل على الله تعالى في مثل: صراط العزيز الحميد الله، وفائدة الإبدال تأكيد النسبة، بناء على أن البدل في حكم تكرير العامل، والإشعار بأن الصراط المستقيم بيانه، وتفسيره: صراط المسلمين، فيكون ذلك شهادة لاستقامة صراطهم على أبلغ وجه وآكده، وقيل: صفة له، ومن غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول، وكأنه نوى فيه حرف [ ص: 94 ] العطف، وفي تعيين ذلك اختلاف، فعن جعفر بن محمد : هو العلم بالله والفهم عنه، وقيل: موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة، وقيل: التزام الفرائض والسنن، ولا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم، فلا نتعب جواد القلم فيه، وقرأ ، ابن مسعود (صراط من أنعمت عليهم)، وهو المروي عن وزيد بن علي وأهل البيت رضي الله تعالى عنهم، قال عمر : وفيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة، (كمن) على الله تعالى، انتهى، وهو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل، والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء، كما قاله الشهاب ، فلا يقال: أنعم على فرسه، ولذا قيل: إن النعمة نفع الإنسان من دونه لغير عوض، واختلف في هؤلاء المنعم عليهم، فقيل: المؤمنون مطلقا، وقيل: الأنبياء، وقيل: أصحاب الراغب موسى وعيسى عليهما السلام قبل التحريف والنسخ، وقيل: أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل: محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ، وأبو بكر رضي الله تعالى عنهما، وقيل: الأولى ما أخرجه وعمر عن ابن جرير رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والشهداء والصديقون، ومن أطاع الله تعالى وعبده، وإليه يشير قوله تعالى : ابن عباس فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فما في هاتيك الأقوال اقتصار على بعض الأفراد، ولم يقيد الإنعام ليعم، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقيل: أنعم عليهم بخلقهم للسعادة، وقيل: بأن نجاهم من الهلكة، وقيل: بالهداية، وفي بناء أنعمت للفاعل استعطاف، فكأن الداعي يقول: أطلب منك الهداية، إذ سبق إنعامك، فاجعل من إنعامك إجابة دعائنا، وإعطاء سؤالنا، وسبحانه ما أكرمه، كيف يعلمنا الطلب ليجود على كل بما طلب.
لو لم ترد نيل ما نرجو ونطلبه من فيض جودك ما علمتنا الطلبا
وحاصلها ضم الهاء مع سكون الميم أو ضمها بإشباع أو دونه أو كسرها بإشباع أو دونه، وكسر الهاء مع سكون الميم، أو كسرها بإشباع، أو دونه، أو ضمها بإشباع أو دونه، وحجج كل في كتب العربية، غير المغضوب عليهم ولا الضالين بدل من الذين بدل كل من كل، وقيل: من ضمير عليهم ولا يخلو من الركاكة بحسب المعنى، وأما أنه يلزم عليه خلو الصلة عن الضمير فلا، لأن المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة، والقول بأن غير في الأصل صفة بمعنى مغاير، والبدل بالوصف ضعيف ضعيف، لأنها غلبت عليها الاسمية، ولذا لم تجر على موصوف في الأكثر، وعن أنها صفة سيبويه الذين مبينة أو مقيدة، ولا يرد أن (غير) من الأسماء المتوغلة في الإبهام، فلا تتعرف بالإضافة، فلا توصف بها المعرفة بل ولا تبدل منها على المشهور، لأنا نقول: الموصوف هنا معنى كالنكرة فيصح أن يوصف بها، وذلك لأن الموصول بعد اعتبار تعريفه بالصلة يكون كالمعرف باللام في استعمالاته، فإذا استعمل في بعض ما اتصف بالصلة كان كالمعرف باللام للعهد الذهني، فكما أن المعرف المذكور لكون التعريف فيه للجنس يكون معرفة بالنظر إلى مدلوله، وفي حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البعضية المبهمة، ولذا يعامل به معاملتهما [ ص: 95 ] كذلك الموصول المذكور بالنظر إلى التعيين الجنسي المستفاد من مفهوم الصلة معرفة، وبالنظر إلى البعضية المستفادة من خارج كالنكرة فيعامل به معاملتهما أيضا، فــ الذين أنعمت عليهم إذا لم يقصد به معهود كذلك إذ لا صحة لإرادة جنس المنعم عليهم من حيث هو، إذ لا صراط له، ولا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الاستغراق، سواء أريد استغراق الأفراد والجماعات أو المجموع من حيث المجموع، فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأخروية، أعني طائفة من المؤمنين لا بأعيانها، فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كان كالنكرة، وإن نظر إلى مفهومه الجنسي أعني المنعم عليهم كان معرفة، قاله العلامة الساليكوتي وغيره، ولا يخلو عن دغدغة، أو يقال وهو المعول عليه عند من يعول عليه أن (غير) هنا معرفة، لأن المحققين من علماء العربية قالوا: إنها قد تتعرف بالإضافة، وذلك إذا وقعت بين متضادين معرفتين نحو: عليك بالحركة غير السكون، وقال ابن السري وغيره : إذا أضيفت (غير) إلى معرف له ضد واحد فقط تعرفت لانحصار الغيرية، وهنا المنعم عليهم ضد لما بعده، ولا يرد على هذا قوله تعالى: ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل لجواز أن يكون صالحا حالا قدمت على صاحبها، وهو غير الذي، أو غير الذي بدلا من صالحا، ولو قيل: ضد الصالح الطالح، والذي كانوا يعملون فرد من أفراده، فليس بضد، لم يبعد، وقرأ رضي الله تعالى عنه: (غير) بالنصب، وروي ذلك شاذا عن عمر بن الخطاب ، وهو حال من ضمير ابن كثير عليهم والعامل فيه أنعمت ويضعف أن يكون حالا من الذين لأنه مضاف إليه، والصراط يصح بنفسه أن يعمل في الحال، وقيل: يجوز، والعامل فيه معنى الإضافة، وجوز أن يكون النصب على الاستثناء المنقطع أو المتصل إن فسر الإنعام بما يعم، ومنعه الأخفش لأنه حينئذ بمعنى سوى، فلا يجوز أن يعطف عليه بلا، لأنها نفي وجحد، ولا يعطف الجحد إلا على مثله، وأجيب بزيادة (لا) مثلها في قوله تعالى : الفراء ما منعك ألا تسجد وفي قول الأخوص :
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
والغضب أصله الشدة، ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل، والغضوب الحية الخبيثة والناقة العبوس، وفسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام، كما في شرح المفتاح للسعد، وتارة بإرادة الانتقام كما في شرح الكشاف له، وأخرى بكيفية تعرض للنفس فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلبا للانتقام، كما في شرح المقاصد، ويقرب منه ما قيل: تغير يحدث عند غليان دم القلب، وفي الحديث: آدم ، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه)، وفي الكشاف: معنى غضب الله تعالى إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده، وأنا أقول كما قال سلف الأمة: هو صفة لله تعالى لائقة بجلال ذاته، لا أعلم حقيقتها، ولا كيف هي، والعجز عن درك الإدراك إدراك، والكلام فيه كالكلام في الرحمة حذو القذة بالقذة، فهما صفتان قديمتان له سبحانه وتعالى [ ص: 96 ] وحديث: (اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن محمول على الزيادة في الآثار، أو تقدم ظهورها. (سبقت رحمتي غضبي)
وأصل الضلال الهلاك، ومنه قوله تعالى : أإذا ضللنا في الأرض أي هلكنا، وقوله تعالى: وأضل أعمالهم أي أهلكها، والضلال في الدين الذهاب عن الحق، وقرأ أبو أيوب السختياني : (ولا الضألين) بإبدال الألف همزة فرارا من التقاء الساكنين، مع أنه في مثله جائز، وحكى أبو زيد : دأبة وشأبة، وعلى هذه اللغة قراءة عمرو بن عبيد فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقوله :
والأرض أما سودها فتجللت بياضا وأما بيضها فادهأمت
وقد عد في كنز البلاغة والتنوخي في الأقصى للقريب بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله نوعا غريبا من الالتفات، فإن كان الالتفات كما في استعمال الأدباء والمتقدمين بمعنى الافتنان فلا غبار عليه، وإن كان بالمعنى المتعارف، فلك أن تقول على رأي ابن الأثير السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير، بل مخالفة مقتضى الظاهر أن المخاطب إذا ترك خطابه وبنى ما أسند إليه للمفعول، والمحذوف كالغائب فلا مانع من أن يسمى التفاتا، فكما يجري في الانتقال من مقدر إلى محقق يجري في عكسه، وهو معنى بديع كما قاله ، ويسن بعد الختام أن يقول القارئ: (آمين)، فقد روى الشهاب في مصنفه، ابن أبي شيبة في الدلائل عن أبي ميسرة أن والبيهقي جبريل أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فلما قال: ولا الضالين قال له: قل آمين، فقال: آمين، ويقولها المأموم لقراءة إمامه، فقد أخرج مسلم، وأبو داود، ، وابن ماجه، والنسائي عن وابن أبي شيبة، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أبي موسى الأشعري غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين يحبكم الله)، وإخفاؤها مذهب ساداتنا الحنفية، وهو مذهب أمير المؤمنين (إذا قرأ يعني الإمام كرم الله تعالى وجهه، علي وعند الشافعية يجهر بها، وعن وعبد الله بن مسعود، لا يقولها الإمام لأنه الداعي، وعن الحسن، في رواية غير مشهورة أنه يخفيها، وروى الإخفاء عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبي حنيفة عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنهما، كما في الكشاف، ورواية الجمهور محمولة على التعليم، والبحث فقهي، وهذا القدر يكفي فيه، وليست من القرآن إجماعا، ولذا سن الفصل بينها وبين السورة بسكتة لطيفة، وما قيل: إنها من السورة عند وأنس فمما لا ينبغي أن يلتفت إليه، إذ هو في غاية البطلان، إذ لم يكتب في الإمام، ولا في غيره من المصاحف أصلا، حتى ذكر غير واحد أن من قال : إن آمين من القرآن كفر، وهي اسم فعل مبني على الفتح، كأين لالتقاء الساكنين، والبحث عن أسماء الأفعال مفروغ عنه في كتب النحو، والصحيح أنها كلمة عربية، ومعناها استجب، وقيل: موضوعة لما هو أعم منه، ومن مرادفه، ومن الغريب ما قيل: إنه عجمي معرب: همين، لما أن فاعيل كقابيل ليس من أوزان مجاهد العرب، ورد بأنه يكون وزنا لا نظير له، وله نظائر، ولذا قيل: إنه في الأصل مقصور، ووزنه فعيل، فأشبع ومن العجيب ما قيل: إنه اسم الله تعالى، والقول في توجيهه أنه لما كان مشتملا على الضمير المستتر الراجع إليه تعالى قيل: إنه من أسمائه، أعجب منه، وقد تمد ألفه وتقصر، وإلى أصالة كل ذهب طائفة، وأما تشديد ميمه، فذكر أنه لغة فيه، وقيل: إنه جمع آم بمعنى قاصد منصوب بــاجعلنا، ونحوه، مقدرا، وقيل: إنه خطأ، ولحن، وحيث إنه ليس من القرآن بل دعاء ومعناه صحيح قال بعضهم: لا تفسد به الصلاة، وإن كان لحنا، وفضل هذه السورة مما لا يخفى، ويكفي في فضلها ما روي بأسانيد صحيحة عن الواحدي رضي الله تعالى عنه أبي هريرة فقال: (يا أبي بن كعب وهو يصلي، فالتفت أبي، فلم يجبه فصلى أبي فخفف، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : [ ص: 98 ] السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك فقال: يا رسول الله، إني كنت في الصلاة، قال: أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟ قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، قال: تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كيف تقرأ في الصلاة، فقرأ بأم القرآن، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما نزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها للسبع من المثاني، أو قال: السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)، أبي والأحاديث في ذلك كثيرة، ولا بدع، فهي أم الكتاب، والحاوية من دقائق الأسرار العجب العجاب، حتى أن بعض الربانيين استخرج منها الحوادث الكونية، وأسماء الملوك الإسلامية، وشرح أحوالهم، وبيان مآلهم، وبالجملة هي كنز العرفان، بل اللوح المحفوظ لما يلوح في عالم الإمكان، (نسأل الله تعالى) أن يمن علينا بإشراق أنوارها، والاطلاع على مخزونات أسرارها، إنه ولي التوفيق، والهادي إلى معالم التحقيق. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على