إن الذين عند ربك وهم ملائكة الملأ الأعلى، فالمراد من العندية القرب من الله تعالى بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزه الله تعالى عن ذلك، وقيل: المراد عند عرش ربك، لا يستكبرون عن عبادته بل يؤدونها حسبما أمروا به ويسبحونه أي: ينزهونه عما لا يليق بحضرة كبريائه على أبلغ وجه وله يسجدون أي: ويخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به غيره جل شأنه، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين كما يدل عليه تقديم (له)، وجاز أن يؤخذ من مجموع الكلام كما آثره العلامة الطيبي لأنه تعليل للسابق على معنى: ائتوا بالعبادة على وجه الإخلاص كما أمرتم فإن لم تأتوا بها كذلك فإنا مغنون عنكم وعن عبادتكم إن لنا عبادا مكرمين من شأنهم كذا وكذا، فالتقديم على هذا للفاصلة، ولما في الآية من التعريض شرع السجود عند هذه الآية إرغاما لمن أبى ممن عرض به. قيل: وقد جاء الأمر بالسجدة لآية أمر فيها بالسجود امتثالا للأمر، أو حكى فيها استنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم، أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم، وهذا من القسم الثاني باعتبار التعريض أو من القسم الأخير باعتبار التصريح.
وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في سجوده لذلك كما روى عن ابن أبي شيبة ابن عمر: «اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني وعملا يرفعني».
وأخرج أحمد، وأبو داود، وصححه عن والترمذي، رضي الله تعالى عنها عائشة، أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل مرارا: «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين».
وجاء عنها أيضا: «ما من مسلم سجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله تعالى بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة، أو جمعهما له كلتيهما».
وأخرج مسلم وابن ماجه، عن والبيهقي، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أبي هريرة آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». «إذا قرأ ابن
واستدل بالآية على أن ويوافق ذلك ما أخرجه إخفاء الذكر أفضل، من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: أحمد «خير الذكر الخفي».
وهي ناعية على جهلة زماننا من المتصوفة ما يفعلونه مما يستقبح شرعا وعقلا وعرفا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.