( ومن باب الإشارة في الآيات ) سيقول الذين أشركوا بالله تعالى وأثبتوا وجودا غير وجوده لو شاء الله تعالى ما أشركنا به سبحانه شيئا ولا أشرك آباؤنا من قبلنا ولا حرمنا من شيء قالوا ذلك تكذيبا للرسل عليهم السلام كذلك كذب الذين من قبلهم وقالوا مثل قولهم حتى ذاقوا بأسنا الذي حل بهم لتكذيبهم وهو الحجاب قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا بالبيان إن تتبعون إلا الظن لأنكم محجوبون في مقام النفس قل فلله الحجة البالغة أي إن كان الأمر كما قلتم فليس لكم حجة بل لله تعالى الحجة عليكم لأنه تعالى لا يشاء إلا ما يعلمه في الأزل ولا يعلم الشيء إلا على ما هو عليه في نفسه فلو لم تكونوا في أنفسكم مشركين سيئي الاستعداد لما شاء الله تعالى ذلك منكم فلو شاء لهداكم أجمعين لكنه لم يشأ إذ ليس في استعدادكم الأزلي ذلك .
وتحتمل الآية وجوها أخر لعلها غير خفية قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا فإن إثبات موجود غير الله تعالى ظلم عظيم وبالوالدين أي الروح والقلب أحسنوا إحسانا برعاية حقوقهما ولا تقتلوا أي تهلكوا أولادكم قواكم باستعمالها في غير ما هي له من إملاق أي من أجل فقركم من الفيض الأقدس نحن نرزقكم وإياهم بأن نفيض عليكم وعليهم ما تتغذون به من المعارف بمقدار إذا توجهتم إلينا ولا تقربوا الفواحش الأعمال الشنيعة ما ظهر منها كأفعال الجوارح وما بطن كأفعال القلب ولا تقتلوا النفس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق أي إلا بسببه بأن تريدوا توجهها إليه أو إلا قتلا متلبسا به وهو قتلها إذا مالت إلى السوى ولا تقربوا مال اليتيم أي ما أعد ليتيم القلب المنقطع عن علائق الدنيا والآخرة من المعارف التي هي وراء طور العقل إلا بالتي هي أحسن وهي التصديق بذلك إجمالا وعدم [ ص: 73 ] إنكاره حتى يبلغ أشده فيقوى على قبول أنواع التجليات وحينئذ يصح لكم أن تقربوا ما أعد الله تعالى له من هاتيك المعارف لقوة قلوبكم وتقدس أرواحكم .
ومن الناس من جعل اليتيم إشارة إلى حضرة الرسالة عليه الصلاة والسلام وهو كما ترى وأوفوا الكيل أي كيل الشرع بمراعاة الحقوق الظاهرة والميزان أي ميزان الحقيقة بمراعاة الحقوق الباطنة بالقسط بالعدل وإذا قلتم فاعدلوا أي لا تقولوا إلا الحق وبعهد الله أوفوا وهو التوحيد وأن هذا صراطي مستقيما غير مائل إلى اليمين والشمال فاتبعوه لتصلوا إلى الله تعالى ولا تتبعوا السبل التي وصفها أهل الاحتجاب فتفرق بكم عن سبيله فتضلوا ولا تصلوا إليه سبحانه هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لتوفي أرواحهم أو يأتي ربك بالتجلي الصوري يوم القيامة كما صح في ذلك الحديث أو يأتي بعض آيات ربك وهو الكشف عن ساق يوم يأتي بعض آيات ربك وهو الكشف المذكور لا ينفع نفسا إيمانها حينئذ لانقطاع التكليف .
إن الذين فرقوا دينهم أهواء متفرقة كالذين غلبت عليهم صفات النفس وكانوا شيعا فرقا مختلفة بحسب غلبة تلك الأهواء لست منهم في شيء إذ هم أهل التفرقة والاحتجاب بالكثرة فلا تجتمع هممهم ولا تتحد مقاصدهم إنما أمرهم إلى الله في جزاء تفرقهم ثم ينبئهم عند ظهور هيئات أهوائهم المختلفة المتفرقة بما كانوا يفعلون من السيئات واتباع الهوى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وذلك لأن السيئة من مقام النفس وهي مرتبة الآحاد والحسنة أول مقاماتها مقام القلب وهي مرتبة العشرات وأقل مراتبها عشرة وقد يضاعف الحسنة بأكثر من ذلك إذا كانت من مقام الروح أو مقام السر وهذا هو السر في تفاوت جزاء الحسنات التي تشير إليه النصوص قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم هو طريق التوحيد الذاتي دينا قيما ثابتا لا تنسخه الملل والنحل ملة إبراهيم التي أعرض بها عن السوى حنيفا مائلا عن كل دين فيه شرك قل إن صلاتي حضوري وشهودي بالروح ونسكي تقربي بالقلب ومحياي بالحق ومماتي بالنفس لله رب العالمين لا نصيب لأحد مني في ذلك لا شريك له في شيء أصلا إذ لا وجود سواه وبذلك الإخلاص وعدم رؤية الغير أمرت وأنا أول المسلمين المنقادين للفناء فيه سبحانه قل أغير الله أبغي ربا فأطلب مستحيلا وهو رب كل شيء أي وما سواه باعتبار تفاصيل صفاته سبحانه مربوب ولا تكسب كل نفس إلا عليها إذ كسب النفس شرك في أفعاله تعالى وكل من أشرك فوباله عليه ولا تزر وازرة وزر أخرى لعدم تجاوز الملائكة إلى غير صاحبها وهو الذي جعلكم خلائف الأرض بأن جعلكم له مظهر أسمائه ورفع بعضكم فوق بعض درجات في تلك المظهرية لأنها حسب الاستعداد وهو متفاوت ليبلوكم في ما آتاكم ويظهر علمه بمن يقوم برعاية ما آتاه وبمن لا يقوم إن ربك سريع العقاب لمن لم يراع وإنه لغفور رحيم لمن يراعي ذلك. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل حالنا خيرا من ماضيه .