كحلفة من أبي رباح يشهدها لاهه الكبار
ووجه قطع الهمزة في حال النداء حينئذ بعض ما تقدم من الوجوه، وقيل: أصله الكناية، لأنها للغائب، وهو سبحانه الغائب عن أن تدركه الأبصار، أو تحيط به الأفكار، وأيضا الهاء يخرج مع الأنفاس، فهو المذكور، وإن لم تشعر الحواس، ومتى انقطع خروجه انقطعت الحياة، وحل بالحي الممات، فبه وباسمه قوام الأرواح والأبدان، واستقامة كل متنفس من الحيوان، فزيد عليها لام الملك ثم، مد بها الصوت تعظيما، ثم ألزم اللام، وأستأنس لهذا أن الاسم الكريم إذا حذفت منه الهمزة بقي (لله)، ولله جنود السماوات والأرض وإذا تركت اللام بقي على صورة (له) " وله ما في السماوات وما في الأرض " وإن تركت اللام الباقية بقي (الهاء) المضمومة من (هو) " لا إله إلا هو " والواو زائدة بدليل سقوطها في هما، وهم، فالأصل (هو)، إذ لا يبقى سواه، وأنت إذا أمعنت النظر يظهر لك مناسبات أخر، ولهذا مال كثير من الصوفية إلى هذا القول، وهو إلى المشرب قريب، وزعم البلخي أنه ليس بعربي، بل هو عبراني، أو سرياني معرب لاها، ومعناه ذو القدرة، ولا دليل عليه، فلا يصار إليه، واستعمال اليهود والنصارى لا يقوم دليلا، إذ احتمال توافق اللغات قائم، مع أن قولهم: تأله وأله يأباه، على أن التصرف فيه كما قيل بحذف [ ص: 57 ] المدة وإدخال أل عليه، وجعله بهذه الصفة دليل على أنه لم يكن علما في غير العربية، إذ اشترطوا في منع الصرف للعجمة كون الأعجمي علما في اللغة الأعجمية، والتصرف مضعف لها، فهذا الزعم ساقط عن درجة الاعتبار لا يساعده عقل ولا نقل، والذي عليه أكابر المعتبرين كالشافعي ، ومحمد بن الحسن، والأشعري ، وغالب أصحابه، والخطابي، وإمام الحرمين والغزالي، والفخر الرازي، وأكثر الأصوليين، والفقهاء، ونقل عن اختيار الخليل، ، وسيبويه والمازني، وابن كيسان أنه عربي وعلم، من أصله لذاته تعالى المخصوصة، أما أنه عربي، فلا يكاد يحتاج إلى برهان، وأما أنه علم كذلك، فقد استدل عليه بوجوه، (الأول): أنه يوصف ويوصف به، وقراءة: (صراط العزيز الحميد الله) بالجر، محمولة على البيان، وتجويز في سورة (فاطر) كون الاسم الكريم صفة اسم الإشارة من باب قياس العلم على الجوامد في وقوعها صفة لاسم الإشارة على خلاف القياس، إذ المنظور فيها رفع الإبهام فقط، وقد تفرد به، (الثاني): أنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته، فإن كل شيء تتوجه إليه الأذهان، ويحتاج إلى التعبير عنه قد وضع له اسم توقيفي أو اصطلاحي، فكيف يهمل خالق الأشياء، ومبدعها، ولم يوضع له اسم يجري عليه ما يعزى إليه، ولا يصطلح له مما يطلق عليه سواه، وكونه اسم جنس معرف مما لا يليق، لأنه غير خاص وضعا، وكونه علما منقولا من الوصفية يستدعي أن لا يكون في الأصل ما تجري عليه الصفات، وهو كما ترى، (الثالث) أنه لو كان وصفا لم تكن الكلمة توحيدا مثل: لا إله إلا الرحمن، إذ لا منع من الشركة، وكذا لو كان اسم جنس، والإجماع منعقد على إفادتها له دون الثاني، والسر أنه لو كان صفة كان مدلوله المعنى، لا الذات المعينة، فلا يمنع من الشركة، وإن اختص استعمالا بذاته تعالى بخلاف ما إذا كان علما، فإن مدلوله حينئذ الذات المعينة، وإن تعقل بوجه كلي، إذ كليته لا تستلزم كلية المعلوم، وقد اعترفوا بعموم الوضع، وخصوص الموضوع له، وقد انحل بهذا عصام قربة من قال: إنه لو كفى في التوحيد الاختصاص في الواقع فلا إله إلا الرحمن أيضا توحيد، وإن لم يكف، واقتضى ما يعين بحيث لا تجوز فيه الشركة لم يكن: لا إله إلا الله كذلك، إذ لا تحضر ذاته تعالى لنا على وجه التشخص، ولا حاجة إلى ما ذكره من الجواب، أخطأ فيه أم أصاب، ولا يرد الزمخشري قل هو الله أحد معارضا، فإنه لو دل على التوحيد لم يكن للوصف فائدة، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من تفسيره لعدم قبول التعدد بوجه، وهو ليس من لوازم العلمية، ولا يغير هذه الوجوه المسفرة ما قيل أنها لا تستلزم المدعي، إذ الاختلاف إنما وقع بعد تسليم الاختصاص في كونه صفة، فيكون كالرحمن، أو اسما، فيكون علما، وهذا القدر يكفي بعد ذلك في المقصود، كما لا يخفى على من لم يركب مطية الجحود، والإمام مع أن له اليد البيضاء في التحقيق، لم يتبلج له صبح هذا القول، وهو لا يحتاج إلى النظر الدقيق، فاختار أنه وصف في أصله، لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، وصار له كالعلم مثل الثريا، والصعق أجري مجراه في إجراء الوصف عليه، وامتناع الوصف به، وعدم تطرق احتمال الشركة إليه، لأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي، أو غيره غير معقول للبشر، فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ، ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوص لما أفاد ظاهر قوله تعالى: البيضاوي وهو الله في السماوات معنى صحيحا، ولأن معنى الاشتقاق كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب، وهو حاصل بينه وبين الأصول المذكورة، هذا كلامه، وقد أبطل فيه الأدلة الثلاث، وحيث لم يلزم من إبطال الدليل إبطال [ ص: 58 ] المدلول، أبطله بوجهين، ونظم في سلكهما ثالثا يدل على الوصفية، وفيه أن الوجه الأول قد اعترضه هو نفسه، حيث قال في تعليقاته: وفيه نظر، إذ يكفي في وضع العلم تعقله بوجه يمتاز به عن غيره من غير أن يعتبر ما به الامتياز في المسمى، فيمكن وضع العلم لمجرد الذات المعقولة في ضمن بعض الصفات، وقد تقرر في الكلام أنه يمكن أن يخلق الله تعالى العلم بكنه ذاته في البشر، ولأنه إنما يتمشى إذا لم يكن الواضع هو الله تعالى، والتحقيق أن تصوير الموضوع له بوجه ما كاف في وضع العلم، وكذا في فهم السامع عند استعماله انتهى، والمرء مؤاخذ بإقراره، وهذا اكتفاء بأقل اللازم، وإلا فالمحققون قد أبطلوا هذا الدليل بما لا مزيد عليه، وأما الثاني ففيه: إن لم نقل أن الآية من المتشابه أن العلم قد يلاحظ معه معنى به يصلح لتعلق الظرف، كقولك أنت عندي حاتم، وقوله :أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر