( ولو وجب ) علينا ( الحكم ) بينهما جزما ( أو ذميان ) كيهوديين أو نصرانيين أو ذمي ومعاهد ( وجب ) الحكم بينهما ( في الأظهر ) قال تعالى { ترافع إلينا ) في نكاح أو غيره ( ذمي ) أو معاهد ( ومسلم وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وهي ناسخة كما صح عن رضي الله عنهما لقوله { ابن عباس أو أعرض عنهم } أما بين يهودي ونصراني حمل التخيير فلا نسخ وهو أولى وحيث وجب الحكم بينهما لم يشترط رضا الخصمين بل فيجب جزما وقيل على الخلاف لا معاهدان لأنا لم نلتزم دفع بعضهم عن بعض وعليهما رضا أحدهما وحينئذ يجب الإعداء والحضور وطلبه رضا ( ونقرهم ) أي الكفار فيما ترافعوا فيه إلينا ( على ما نقرهم ) عليه ( لو أسلموا ونبطل ما لا نقر ) هم عليه لو أسلموا ختم بهذا مع تقدم كثير من صوره لأنه ضابط صحيح يجمعها وغيرها فنقرهم على نحو نكاح خلا عن ولي وشهود لا على نحو نكاح محرم بخلاف ما لو علمناه فيهم ولم يترافعوا إلينا فيه فلا نتعرض لهم .
ولو جاءنا من تحته أختان لطلب فرض النفقة مثلا أعرضنا عنه إلا إن رضي بحكمنا فنأمره اختيار إحداهما ويجيبهم حاكمنا في تزويج كتابية لا ولي لها بشهود منا ومن ثبت عليه منهم زنا أو سرقة [ ص: 336 ] يحد - وإن لم يرض - ، أو شرب خمر لم يحد وإن رضي لاعتقادهم حلها فإن قلت يشكل عليه حد الحنفي بشرب ما لا يسكر قلت : يفرق بأن من عقيدة الحنفي أن العبرة بمذهب الحاكم المترافع إليه مع التزامه لقواعد الأدلة الشاهدة بضعف رأيه فيه ولا كذلك هم فإن قلت لم فارقت الخمر نحو الزنا قلت لأنها أسهل لأنها أحلت وإن أسكرت في ابتداء ملتنا وتلك لم تحل في ملة قط فمن ثم استثنيت - أعني الخمر - من قولهم يلزمه الحكم بينهم بأحكام الإسلام لقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وإحضار التوراة لرجم الزانيين إنما هو لتكذيب ابن صوريا اللعين في قوله : ليس فيها رجم لا لرعاية اعتقادهم ولو تحاكموا إلينا بعد القبض في بيع فاسد أو قبله وقد حكم حاكمهم بإمضائه
لم نتعرض له وإلا نقضناه كذا أطلقوه وهو مشكل بما مر في نحو النكاح المؤقت أو بشرط نحو خيار من النظر لاعتقادهم وإن لم يحكم به حاكمهم فالوجه أن المراد بحكم حاكمهم هنا اعتقادهم أي فإن اعتقدوه صحيحا لم نتعرض له وإلا نقضناه وحينئذ فالحاصل كما يعلم من هذا مع ما مر في قولي فإن قلت ما الفرق إلى آخره أنهم متى نكحوا نكاحا أو عقدوا عقدا مختلا عندنا لم نتعرض لهم فيه ثم إن ترافعوا إلينا فيه أو في شيء من آثاره وعلمنا اشتماله على المفسد وليس لنا البحث عنه فيما يظهر لأن الأصل في أنكحتهم الصحة كأنكحتنا نظرنا فإن كان سبب الفساد منقضيا أثره عند الترافع كالخلو عن الولي والشهود وكمقارنته لعدة انقضت وغير ذلك من كل مفسد انقضى وكانت بحيث تحل له الآن أقررناهم وإن كانت بحيث لا تحل له عندنا فإن قوي المانع كنكاح أمة بلا شروطها ومطلقة ثلاثا قبل التحليل لم ننظر لاعتقادهم وفرقنا بينهم احتياطا لرق الولد وللبضع ومنه فيما يظهر عدم الكفاءة دفعا للعار وإن ضعف كمؤقت اعتقدوه مؤبدا ومشروط فيه نحو خيار ونكاح مغصوبة نظرنا لاعتقادهم فيه فإن قلت : هم مكلفون بالفروع فلم لم نؤاخذهم بها مطلقا قلت ذاك إنما هو بالنظر لعقابهم عليها في الآخرة وما نحن فيه إنما هو بالنسبة لأحكام الدنيا على أن التحقيق عندي أنهم ليسوا مكلفين إلا بالفروع المجمع عليها دون المختلف فيها إذ لا عقاب فيه إلا على معتقد التحريم أو المقلد له ولا ينافي ما قررته حملي في شرح الإرشاد قول الماوردي العبرة في صيغ طلاقهم بما عندهم على أن محله ما إذا لم يترافعوا إلينا وإلا حكمنا باعتقادنا ؛ لأن ذاك في آثار عقد لم نعلم اشتماله على مفسد وما هنا في آثار عقد علم اشتماله عليه وكان الفرق أنا قد نقرهم على عقود مختلة ترغيبا في الإسلام [ ص: 337 ] وما هنا محض أثر لا ترغيب فيه فحكمنا فيه باعتقادنا .