( فصل لجماعة طلبت غيرها ) الأذان : الإعلام بأي شيء كان ، قال الله تعالى { سن الأذان وأذان من الله ورسوله } واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع ، وقال : أصله من الأذن بالضم كأنه أودع ما علمه أذن صاحبه ثم اشتهر في عرف الشرع بالإعلام بأوقات الصلاة فاختص ببعض أنواعه كما اختص لفظ الدابة والقارورة والخابية ببعض أنواعها ، وأذن بفتح الذال وتشديدها إذا أعلم ، وأذن له في الشيء بكسر الذال مخففة أي : أباحه ويقال بمعنى علم ، ومنه { ابن قتيبة فائذنوا بحرب من الله ورسوله } ، وبمعنى استمع ، ومنه { } ، والأصل فيه من القرآن قوله تعالى : { ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } ، ومن السنة [ ص: 422 ] حديث قال : لما { عبد الله بن زيد عبد الله أتبيع الناقوس ، فقال : ما تصنع به ، قلت : ندعو به للصلاة ، فقال : ألا أدلك على ما هو خير من ذلك قلت : بلى قال : تقول : الله أكبر الله أكبر فذكر الأذان ، والإقامة فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع فألق عليه ما رأيت فليؤذن ففعلت فلما سمع بلال الأذان خرج مسرعا يسأل عن الخبر ، فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم الحمد لله عمر } . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليعمل حتى يضرب به ليجتمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فقلت له يا
وعن أبي داود قال : { اليهود ، فذكروا له الناقوس ، فقال هو من أمر النصارى } وساق الحديث . اهتم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة فقيل له : ننصب راية فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك فذكروا له القنع يعني : الشبور فلم يعجبه وقال : هو من فعل
( فائدة ) قال في الذخيرة يروى القبع بالباء الموحدة مفتوحة وبالنون ساكنة ، قال وسمعت أبا عمر يقول : القثع بالثاء المثلثة ، والجميع أسماء للبوق فبالنون من إقناع الصوت ، والرأس وهو رفعه ، وبالباء من الستر يقال : قبع رأسه إذا أدخله فيه انتهى . وقال في الصحاح : الشبور على وزن التنور : البوق ، ويقال هو معرب .
( فائدة ) أخرى ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { } بفتح الهمزة جمع عنق واختلف في تأويله ، فقيل معناه : أطول الناس تشوفا إلى رحمة الله تعالى ; لأن المتشوف يطيل عنقه ، وقال المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة : إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم ، وقال النضر بن شميل يوسف بن عبيد : معناه الدنو من الله تعالى ، وقيل : معناه أنهم رءوس ، وقيل : أكثر أتباعا ، وقيل : أكثر الناس أعمالا ، قالالقاضي عياض : ورواه بعضهم بكسر الهمزة أي إسراعا إلى الجنة من سير العنق ، ومنه الحديث : { } ، ومنه الحديث : { كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص } انتهى . لا يزال الرجل معنقا ما لم يصب دما يعني متبسطا في سيره يوم القيامة
وقال الأقفهسي في شرح الرسالة اختلف العلماء هل والمشهور أن الإمامة أفضل ونحوه الأذان أفضل أم الإقامة أفضل للبرزلي وزاد فقال للاحتجاج للقول بأن الأذان أفضل وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو قال : حي على الصلاة ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة ; لقوله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } وأما الخلفاء فمنعهم عنه الاشتغال بأمور المسلمين ، قال لولا الخلافة لأذنت انتهى . وقال عمر الشبيبي في شرح الرسالة : واختلف العلماء أيما أفضل الأذان أو الإمامة فقيل : الأذان أفضل واختاره وقيل الإمامة أفضل وقيل هما سواء وقيل إن كان الإمام توفرت فيه شروط الإمامة فهو أفضل وإلا فلا انتهى . وظاهر كلام عبد الحق المصنف رحمه الله تعالى أن الأذان سنة مطلقا ، وأنه لا يجب في المصر وهو ظاهر كلام وغيره وظاهر كلامه في التوضيح وهو خلاف ما جزم به ابن الحاجب ابن عرفة وجعله المذهب ، ونصه : " الأذان يجب على أهل المصر كافة يقاتلون لتركه " ، روى أبو عمر إن تركه أهل الطبري مصر عمدا بطلت صلاتهم ، وروى : إن أشهب أعاد صلاته . تركه مسافر عمدا
( قلت ) هذا الذي عزاه عياض لرواية قال : وهو نحو قول المخالف بوجوبه ، وفي كونه بمساجد الجماعة سنة أو واجبا طريقا الطبري للبغداديين والشيخ وفي الموطإ : إنما يجب في مساجد الجماعات المازري فسر القاضي الوجوب بالسنة ، وغيره السنة بعدم الشرطية انتهى . وقال الأبي في شرح مسلم : والمشهور أن الأذان فرض كفاية على أهل المصر لأنه شعار الإسلام فقد { } ، واختلف في وجوبه بعد ذلك في مساجد الجماعات للإعلام وبدخول الوقت وبحضور الجماعة فأوجبه في الموطإ ، وقال بعض أصحابنا وبعض أصحاب كان صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع الأذان أغار وإلا أمسك وجمهور الفقهاء وعامة أصحابه : إنه سنة مؤكدة ، والأول الصحيح لأن إقامة السنن الظاهرة واجبة على الجملة لو تركه أهل بلد [ ص: 423 ] قوتلوا ، ولأن معرفة الوقت فرض كفاية انتهى . الشافعي
وقال في الإكمال قال : لم يختلفوا أن الأذان واجب في الجملة على أهل المصر لأنه شعار الإسلام ، قال بعض شيوخنا : أما لهذا الوجه ففرض على الكفاية وهو أكثر مقصود الأذان إذ { أبو عمر بن عبد البر } ، فإذا قام به على هذا واحد في المصر وظهر الشعار سقط الوجوب وبقي المعنى الثاني بتعريف الأوقات ، وهو المحكي الخلاف فيه عن الأئمة والذي اختلف لفظ كان عليه الصلاة والسلام إذا غزا فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار وبعض أصحابه في إطلاق الوجوب عليه ، فقيل : معناه وجوب السنن المؤكدة كما في غسل الجمعة والوتر وغيرهما ، وقيل : هو على ظاهره من الوجوب على الكفاية إذ معرفة الأوقات فرض وليس كل أحد يقدر على مراعاتها فقام به بعض الناس عن بعض وتأول هذا قول الآخرين : سنة أي : ليس من شرط صحة الصلاة كقولهم في ستر العورة وإزالة النجاسة انتهى . وما ذكره عن بعض شيوخه ذكره مالك المازري في شرح التلقين وجزم به فانظره ولعله هو المراد ببعض شيوخه ، ولم يحك ابن عرفة في وجوبه في المصر خلافا وجعل محل الخلاف ، وجوبه في مساجد الجماعات وهذا هو الظاهر والله أعلم .
وقوله : " لجماعة طلبت غيرها " يريد المواضع التي جرت العادة أن يجمع الناس إليها كالجوامع ، والمساجد وكعرفة ، ومنى ، والعدد الكثير يكون في السفر ، قال في المدونة : وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضره الصلاة فيصلي بأذان وإقامة ، قال اللخمي : والأذان في هذه المواضع سنة لا تترك ، وهو في المساجد والجوامع آكد ; لأنه حفظ للأوقات ولإقامة الجماعات انتهى .
( فرع ) قال ابن عرفة : أذان مسجدين متلاصقين أو متقاربين أو أحدهما فوق الآخر لا يكفي عنه في الآخر انتهى . وفي سماع موسى من كتاب الصلاة سئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم فضربوا وسطه حائطا أيجوز أن يكون مؤذنهم واحدا ، وإمامهم واحدا ، قال ابن القاسم : ليس لهم أن يقتسموه ; لأنه شيء سبلوه لله تعالى ، وإن كانوا بنوه جميعا ، وقال مثله ولا يجزيهم مؤذن واحد ولا إمام واحد ، قال أشهب محمد بن رشد : وهذا كما قال ليس لهم أن يقتسموه ; لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه فإن فعلوا فله حكم المسجدين في الأذان والإمام حين فصلوا بينهما بحائز يبين كل واحد منهما عن صاحبه ، وإن كان ذلك لا يجوز لهم انتهى .
ومفهوم قوله : " طلبت غيرها " سيصرح به المصنف .
ص ( في فرض )
ش : احترز به من ، قال السنن والنوافل فإن الأذان لها مكروه اللخمي : والظاهر أنه لا يجوز ; لأنه غير مشروع ، قال ابن ناجي : وأما غير الفرائض فلا يؤذن لها ، قال ابن عبد السلام اتفاقا ، وحكى زياد النداء للعيدين ، قال ابن ناجي إن أراد حقيقة الأذان فهو ينقض الاتفاق الذي ذكره ، وإن عنى به : " الصلاة جامعة " مثلا فهما مسألتان فلا تناقض انتهى .
ص ( وقتي )
ش : فلا فإن ذلك يزيدها تفويتا ولم يحك يؤذن للفائتة اللخمي في ذلك خلافا ، وقال : إن الأذان لها مكروه وسيأتي كلامه في قول المصنف : " وذكورة " وقال في التوضيح لا أذان للفائتة إلا على قول شاذ .
( قلت ) : قال ابن ناجي في شرح المدونة : اختلف هل يؤذن للفوائت على ثلاثة أقوال : فقيل : لا يؤذن لها قاله ، وهو نقل الأكثر ، وبه الفتوى عندنا أشهب بأفريقية ، قال في شرح الرسالة : وقيل يؤذن لأولى الفوائت حكاه الأبهري رواية عن المذهب ، واختار إن رجا اجتماع الناس لها أذن وإلا فلا وكلاهما حكاه عياض في الإكمال ، وقول ابن عبد السلام : المذهب أنه لا يؤذن للفوائت ، والنظر يقتضي أنه مندوب لحديث : { الوادي قصور } انتهى . وفهم من قول المصنف : " وقتي " أن الأذان مطلوب ولو صليت الصلاة في آخر الوقت وانظر هل يشمل الوقت الضروري أو يختص بالمختار صرح صاحب الطراز بأنه إنما [ ص: 424 ] يتعلق بالوقت المختار فإنه لما ذكر أنه لا يؤذن للمغرب بمزدلفة على أحد الأقوال ، فقال موجها لذلك القول ما نصه : " لأنه قد خرج وقتها المختار ووقت الأذان للصلاة إنما يتعلق بوقتها المختار انتهى " . وقال لما تكلم على أذان الصبح وذكر قول ابن حبيب أنه يؤذن لها من حين خروج وقت العشاء ، وهو عندي شطر الليل ما نصه : " لما كان النصف الأول مما يجوز فيه الأذان لغيرها امتنع الأذان فيه لها والشطر الثاني لا يؤذن فيه لغيرها فكان وقتا لأذانها انتهى " . ونقل ابن عرفة عن الشيخ عن : أنه لا أذان لوقتية يفيتها الأذان انتهى . وفي مسائل الشيخ أشهب إبراهيم بن هلال من المتأخرين لا بأس بالأذان ما لم يخرج الوقت المستحب وأول الوقت أولى انتهى ، والله تعالى أعلم .