( قال - رحمه الله - ) : " وإذا فله أن يشتري به ما بدا له من أصناف التجارة ويبيع ; لأنه نائب عن صاحب المال في التجارة " فإن قصده بالدفع إليه تحصيل الربح وذلك بطريق التجارة فكذلك ما هو من صنع التجار يملكه المضارب بمطلق العقد ويبيع بالنقد والنسيئة عندنا وقال دفع إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل اعمل فيه برأيك - رحمه الله - : " ليس له أن يبيعه بالنسيئة ; لأن ذلك تصرف يوجب قصر يده عن مال المضاربة والتصرف فيه فيكون ضدا لما هو مقصود رب المال بمنزلة الإقراض " . ابن أبي ليلى
( ألا ترى ) أن البيع بالنسيئة من المريض يعتبر من الثلث ؟ فعرفنا أنه بمنزلة التبرع ولكنا نقول : البيع بالنسيئة من صنع التجار وهو أقرب إلى تحصيل مقصود رب المال وهو الربح فالربح في الغالب إنما يحصل بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد ; ولأن تسليط المضارب على المال ليس بمقصود رب المال إنما مقصوده تحصيل الربح بطريق التجارة وذلك حاصل والدليل على أن البيع بالنسيئة تجارة مطلقة قوله تعالى { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم } فهذا يبين أن التجارة قد تكون غائبة وليس ذلك إلا بالبيع بالنسيئة وله أن يبضعه ; لأن الإبضاع من عادة التجار ويحتاج المضارب إليه لتحصيل الربح .
فالتجارة نوعان حاضرة في بلدة ، وغائبة في بلدة أخرى ، ولا يتمكن من مباشرتها بنفسه ولو لم يجزئه الإبضاع والتوكيل والإيداع لفاته أحد نوعي التجارة لاشتغاله بالنوع الآخر وله أن يستأجر معه الأجراء [ ص: 39 ] يشترون ويبيعون ويستأجر البيوت والدواب لأمتعته التي يشتريها ; لأن ذلك من صنع التجار .
فالمضارب لا يستغني عن ذلك في تحصيل الربح ، وللمنافع حكم المال عند العقد ، والإجارة والاستئجار تجارة من حيث إنه مبادلة مال بمال وله أن يسافر به .
وروى أصحاب الإملاء عن عن أبي يوسف - رحمهم الله - أنه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال ; لأن فيه تعريض المال للهلاك . أبي حنيفة
وجه ظاهر الرواية أن اشتقاق المضاربة من الضرب في الأرض وإنما يتحقق ذلك بالمسافرة ; ولأن مقصوده تحصيل الربح وإنما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال فيملكه بمطلق عقد المضاربة
وقد بينا في الوديعة أن المودع له أن يسافر بمال الوديعة ففي المضارب أولى وروي عن - رحمه الله - أنه قال إن دفع المال في مصر وهو من أهل ذلك المصر فليس له أن يسافر به ، وإن دفع المال إليه في غير مصر فله أن يسافر به ; لأن العام الغالب أن الإنسان يرجع إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع إمكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه أنه غريب في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم في مصره . ولكن هذا التفصيل فيما له حمل ومؤنة بناء على ما روينا عن أبي يوسف - رحمه الله - في المودع أنه لا يسافر الوديعة إذا كان لها حمل ومؤنة وليس له أن يقرضه ; لأن الإقراض تبرع قال النبي صلى الله عليه وسلم { أبي يوسف } ; ولأنه ليس في الإقراض تحصيل شيء من مقصود رب المال ; لأن المقبوض بحكم القرض مضمون بمثله لا يتصور فيه زيادة شرط ولا غيره وليس له أن يخلطه بماله ; لأن في الخلط بماله أو بمال غيره إيجاب الشركة في المال المدفوع إليه على وجه لم يرض به رب المال وكذلك لا يدفعه مضاربة ; لأن بالدفع مضاربة سوى غيره بنفسه في حق الغير وهو لا يملك ذلك . قرض مرتين صدقة مرة
( ألا ترى ) أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يوكل به غيره ؟ ; ولأنه موجب لغيره شركة في الربح ورب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله ولا يشارك به أيضا ; لأن الشركة بمنزلة الدفع مضاربة بل أقوى منه فإن قيل أليس أن المضارب يأذن لعبد من مال المضاربة في التجارة ويصح ذلك منه وإطلاق التصرف بالإذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه ؟ قلنا قد روى ابن رستم عن رحمهما الله أنه لا يملك الإذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة والفرق بينهما على ظاهر الرواية أن المأذون لا يصير شريكا في الربح فيكون الإذن في التجارة نظير الإبضاع لا نظير الدفع مضاربة ، والشركة به ، فإن كان قال له اعمل فيه برأيك ، فله أن يعمل [ ص: 40 ] جميع ذلك إلا القرض ; لأنه فوض الأمر في هذا المال إلى رأيه على العموم وقد علمنا أن مراده التعميم فيما هو من صنع التجار عادة فيملك به المضاربة والشركة والخلط بماله ; لأن ذلك من صنع التجار كما يملك الوكيل توكيل غيره بما وكل به إذا قيل له اعمل فيه برأيك ولا يملك القرض ; لأنه تبرع ليس من صنع التجار عادة فلا يملكه بهذا اللفظ كالهبة والصدقة محمد