. وإذا فله أن يقيم عليه الحد في القياس ; لأنه تيقن باكتسابه السبب الموجب للحد عليه والعلم الذي استفاده بمعاينة السبب فوق العلم الذي يحصل له بشهادة الشهود ; لأن ذلك محتمل الصدق والكذب ، وفي الاستحسان لا يقيم عليه الحد حتى لو شهد الشهود عنده بذلك عليه ، أو يقر بذلك لما روي أن رأى القاضي وهو في مجلس القضاء ، أو غيره رجلا يزني أو يسرق ، أو يشرب الخمر ، ثم رفع إليه رضي الله عنه قال عمر رضي الله عنه لو رأيت رجلا على حد ، ثم وليت هل تقيمه عليه قال لا حتى يشهد معي غيري فقال أصبت وعن لعبد الرحمن بن عوف الزهري عن رضي الله عنه يجوز ذلك ، ولأن الحدود التي هي من خالص حق الله تعالى يستوفيها الإمام على سبيل النيابة من غير أن يكون هناك خصم يطالب به من العباد فلو اكتفى بعلم نفسه في الإقامة ربما يتهمه بعض الناس بالجور والإقامة بغير حق وهو مأمور بأن يصون نفسه عن ذلك ، وهذا بخلاف القصاص وحد القذف وغير ذلك من حقوق الناس ; لأن هناك خصم يطالب به من العباد وبوجوده تنتفي التهمة عن القاضي فكان مصدقا فيما زعم أنه رأى ذلك توضيح الفرق أن المقر بالحدود التي هي من حقوق الله تعالى إذا رجع صح رجوعه ولم يكن للقاضي ولاية الإقامة لوقوع التعارض بين خبريه . فكذلك إذا أخبر القاضي أنه رأى ذلك ، وأنكره الرجل لم يكن له أن يقيمه للتعارض بين الخبرين فكل مسلم أمين فيما يخبر به من حق الله تعالى ; ولهذا ضمنه في السرقة ; لأن ذلك حق المسروق منه ولا يعمل الرجوع فيه عن الإقرار أبي بكر
[ ص: 105 ] فأما حد القذف والقصاص وغير ذلك من حقوق الناس والرجوع فيه بعد الإقرار باطل وللقاضي أن يلزمه ذلك بإقراره . فكذلك له أن يلزمه بمعاينته سبب ذلك ; لأن معاينته السبب أقوى في إفادة العلم من إقرار المقر به ، وهذا إذا رأى ذلك في مصره الذي هو قاض فيه بعد ما قلد القضاء . فأما إذا كان رأى ذلك قبل أن يتقلد القضاء ، ثم استقصى فليس له أن يقضي بعلمه في ذلك عند رحمه الله . وقال أبي حنيفة أبو يوسف رحمهما الله له أن يقضي بعلمه في ذلك ; لأن علمه بمعاينة السبب لا يختلف بما بعد أن يستقصي وقبله وهو أقوى من العلم الذي يحصل له بشهادة الشهود فإن معاينة السبب تفيده علم اليقين وشهادة الشهود لا تفيده ذلك . ومحمد
فإذا جاز له أن يقضي بشهادة الشهود عنده فلأن يجوز له أن يقضي بعلم نفسه أولى ومذهب رحمه الله مروي عن أبي حنيفة الشعبي رحمه الله سئل عن هذه المسألة فقال أتى وشريح رحمه الله مثلها ، وأنا شاهد فقال أنت الأمير حتى أشهد لك فقال أنشدك بالله أن يذهب حقي ، وأنت تعلم فقال أنت الأمير حتى أشهد لك والمعنى فيه أنه حين عاين السبب فقد استفاد به علم الشهادة وبأن استقصى بعد ذلك لا يزداد علمه بذلك وعلم القضاء فوق علم الشهادة فإن علم القضاء ملزم والشهادة بدون القضاء لا تكون ملزمة بخلاف ما إذا رأى وهو قاض ; لأنه استفاد علم القضاء هناك بمعاينة السبب والدليل على الفرق أن ما يستفيد من العلم بمعاينة السبب وما يستفيده بشهادة الشهود عنده في الحكم سواء ، ثم شهادة الشهود عنده بعد ما استقصى تفيده علم القضاء وقبل أن يستقصي لا تفيد له ذلك حتى لو استقصى شاهد الفرع لم يكن له أن يقضي بما كان من شهادة الأصول عنده ما لم يشهدوا بذلك بعد ما استقصى . شريح
فكذلك عند معاينة السبب وعلى هذا الخلاف لو عاين السبب بعد ما استقصى ، ولكن في غير مصره ، ثم لما انتهى إلى مصره خوصم في ذلك ; لأنه حين عاين السبب لم يكن له أن يقضي به في ذلك الموضع فهو ، وما لو علم قبل أن يستقصي سواء ، ولو عاين ذلك في مصره وهو قاض ، ثم عزل ، ثم أعيد على القضاء فلا شك أن عندهما له أن يقضي بعلمه ومن أصحابنا رحمهم الله من قال عند رحمه الله أيضا له أن يقضي بعلمه ; لأنه استفاد علم القضاء بمعاينة السبب حتى لو قضى به في ذلك الوقت جاز ذلك . فكذلك إذا قضى به بعد ما قلد ثانيا والأصح أنه على الخلاف ; لأنه بعد ما عزل لم يبق له في تلك الحادثة إلا علم الشهادة فهو ، وما لو علم به بعد ما عزل سواء . أبي حنيفة
توضيحه أنه لو لم يقض بتلك الشهادة بخلاف ما قبل العزل . فكذلك إذا عاين [ ص: 106 ] السبب وكان سمع شهادة الشهود فلم يقض بها حتى عزل ، ثم أعيد على القضاء رحمه الله يقول إذا علم قبل أن يستقصي ، ثم استقصى فشهد عنده رجل وأخذ بذلك قضى به ، وذلك مروي عن ابن أبي ليلى رحمه الله أنه قضى بشهادة رجل واحد ، وقد كان علم منها علما ، ولكنا نقول علمه بمعاينة السبب ليس من جنس ما يحصل له من العلم بشهادة الشهود عنده وإكمال أحدهما بالآخر لا يمكن والقاضي لا يتمكن من القضاء إلا بحجة فالطريق في ذلك أن يشهد مع الرجل الآخر لصاحب الحق عند الإمام الذي فوقه حتى يقضي هو بذلك . شريح