( كتاب العارية )
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى إملاء : العارية : تمليك المنفعة بغير عوض ، سميت عارية لتعريها عن العوض ، فإنها مع العرية اشتقت من شيء واحد ، والعرية : العطية في الثمار بالتمليك من غير عوض ، والعارية في المنفعة كذلك ; ولهذا اختصت بما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها أو ما يجوز تمليك منافعها بالعوض بعقد الإجارة ، وقيل : هي مشتقة من التعاور ، وهو التناوب ، فكأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع بملكه على أن تعود النوبة إليه بالاسترداد متى شاء ; ولهذا كانت قرضا ; لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك العين ، فلا تعود النوبة إليه في تلك العين لتكون عارية حقيقة ، وإنما تعود النوبة إليه في مثلها ، وما يملك الإنسان الانتفاع به على أن يكون مثله مضمونا عليه يكون قرضا ، ( وكان ) الإعارة في المكيل والموزون رحمه الله يقول : موجب هذا العقد إباحة الانتفاع بملك العين لا بملك المنفعة بدليل أنه لا يشترط إعلام مقدار المنفعة فيه ببيان المدة ، والجهالة تمنع صحة التمليك أما لا تمنع صحة الإباحة ؟ ، وبدليل أن المستعير ليس له أن يؤاجر ، ومن تملك شيئا بغير عوض جاز له أن يملكه من غيره بعوض كالموهوب له ، والصحيح أن موجب هذا العقد ملك المنفعة للمستعير ; لأن المنفعة تحتمل التمليك بعوض فتحتمل التمليك بغير عوض أيضا كالعين ، والدليل عليه أن للمستعير أن يعير فيما لا يتفاوت الناس بالانتفاع به ، والمباح له لا يملك أن يبيح لغيره . الكرخي