[ ص: 26 ] مسألة : فيمن ؟ قال أصاب حدا مرتين فصاعدا رحمه الله : اختلف الناس في ذلك ، كمن زنى مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك ، أو قذف مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك ، أو شرب الخمر مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد ، أو سرق مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك ، أو جحد عارية مرتين فأكثر ، قبل أن يقام عليه الحد في ذلك أو حارب مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد في ذلك ؟ فقالت طائفة : ليس في كل ذلك إلا حد واحد فقط - وقالت طائفة : عليه لكل مرة حد . أبو محمد
قال رحمه الله : فوجب أن ننظر في ذلك ؟ لنعلم الحق فنتبعه - بعون الله تعالى - فنظرنا في قول من قال : لكل فعلة حد ؟ فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى { أبو محمد الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة }
وقال تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } .
وقال تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة }
ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا ثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق عن معمر سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أنه قال { أبي هريرة } وذكر باقي الخبر قالوا : فوجب بنص كلام الله تعالى ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على من زنى الجلد المأمور به ، وعلى من سرق قطع يده ، وعلى من قذف الجلد المأمور به وعلى من [ ص: 27 ] شرب الخمر الجلد المأمور به ، فاستقر ذلك فرضا عليه ، فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أنه متى زنى ثانية وجب عليه حد ثان ، وإذا سرق ثانية وجب عليه بالسرقة الثانية قطع ثان ، وإذا قذف ثانية وجب عليه حد ثان ، وإذا شرب ثانية وجب عليه حد ثان ولا بد - وهكذا في كل مرة . من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إذا شرب فاجلدوه ، ثم إذا شرب فاجلدوه
قال رحمه الله : أما قولهم : إن الله تعالى قال { أبو محمد الزانية والزاني } الآية وقوله تعالى { والسارق والسارقة } الآية .
وقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات } الآية .
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } فكل ذلك حق ، ويكفر من أنكر لفظه ومعناه . إذا شرب فاجلدوه ، ثم إذا شرب فاجلدوه ، ثم إذا شرب فاجلدوه
وأما قولهم : فاستقر ذلك فرضا عليه ، فهذا وهم أصحابنا ، ولسنا نقول بهذا ، لكن نقول : إنه لا يجب شيء من الحدود المذكورة بنفس الزنى ، ولا بنفس القذف ، ولا بنفس السرقة ، ولا بنفس الشرب ، لكن حتى يستضيف إلى ذلك معنى آخر - وهو ثبات ذلك عند الحاكم بإقامة الحدود ، إما بعلمه ، وإما ببينة عادلة ، وإما بإقراره ، وأما ما لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه حد ، لا جلد ، ولا قطع أصلا .
برهان ذلك : هو أنه لو وجبت الحدود المذكورة بنفس الفعل لكان فرضا على من أصاب شيئا من ذلك أن يقيم الحد على نفسه ليخرج مما لزمه ، أو أن يعجل المجيء إلى الحاكم فيخبره بما عليه ليؤدي ما لزمه فرضا في ذمته ، لا في بشرته ، وهذا أمر لا يقوله أحد من الأمة كلها بلا خلاف .
أما فحرام عليه ذلك بإجماع الأمة كلها ، وأنه لا خلاف في أنه إقامته الحد على نفسه بل إن فعل ذلك كان عند الأمة كلها عاصيا لله تعالى ، فلو كان الحد فرضا واجبا بنفس فعله لما حل له الستر على نفسه ، ولا جاز له ترك الإقرار طرفة عين ، ليؤدي عن نفسه ما لزمه . ليس لسارق أن يقطع يد نفسه ،
وإنما أمر الله تعالى ورسوله - عليه السلام - الأئمة وولاتهم بإقامة الحدود المذكورة على من جناها ، وبيقين الضرورة ندري أن الله تعالى لم يأمرهم من ذلك إلا إذا ثبت ذلك عندهم ، وصح يقينا أن لكل زنا يزنيه ، وكل قذف يقذفه ، وكل شرب [ ص: 28 ] يشربه ، وكل سرقة يسرقها ، وكل حرابة يحارب ، وكل عارية يجحدها قبل علم الإمام بذلك ، فلم يجب عليه فيه شيء ، لكنا نقول : إن الله تعالى أوجب على - إذا علم الإمام بذلك - جلد مائة ، وعلى القاذف ، والسارق ، والمحارب ، وشارب الخمر ، والجاحد مرة ، وألف مرة حدا واحدا ، إذا علم الحاكم ذلك كله . من زنى مرة ، أو ألف مرة
قال رحمه الله : وأما أبو محمد ، فقولنا ، وقول أصحابنا سواء : يستتم عليه الحد الأول ، ثم يبتدئ في الثاني ولا بد . إن وقع على من فعل شيئا من ذلك تضييع من الإمام ، أو أميره لغير ضرورة ، ثم شرع في إقامة الحد فوقعت ضرورة منعت من إتمامه فواقع فعلا آخر من نوع الأول
برهان ذلك : أن الحد كله قد وجب بعلم الإمام ، أو أميره مع قدرته على إقامة جميع الحد ، ثم أحدث ذنبا آخر ، فلا يجزي عنه حد قد تقدم وجوبه .
قال رحمه الله : ونسأل المخالفين عن قولهم فيمن زنى مرات ، أو شرب مرات ، أو أبو محمد ، فلم يوجبوا عليه إلا حدا واحدا ، ما الفرق بين هذا وبين قول من قال منهم : قذف مرات إنسانا واحدا ، أو سرق مرات ، أو حارب مرات - وعلم الإمام كل ذلك - وقدر على إقامة الحدود عليه ، ثم لم يحد حتى واقع ما ذكرنا أن عليه لكل يوم كفارة ؟ ومن إن أفطر عامدا فوطئ أياما من شهر رمضان فعليه لكل يمين كفارة ؟ ومن قال منهم : حلف أيمانا كثيرة على أشياء مختلفة فإن لكل ظهار كفارة ؟ وقولهم كلهم : إن إن ظاهر مرات كثيرة فعليه لكل صيد جزاء بل قال بعضهم : إنه لو من أصاب - وهو محرم - صيودا - فعليه جزاءان . أصاب صيدا واحدا - وهو قارن
فإن ادعوا في كفارة الإفطار في رمضان إجماعا : ظهر جهل من ادعى ذلك ، أو كذبه ، لأن وغيره - منهم - يرى أن زفر بن الهذيل - فليس عليه إلا كفارة واحدة فقط - وهذا هو الواجب - على قول من أفطر بوطء أو غيره جميع أيام [ ص: 29 ] شهر رمضان - ولم يكفر - لأن المحفوظ عنه أن شهر رمضان كله صوم واحد ، من أفطر يوما منه فعليه قضاء جميعه يقضي شهرا ، ولا بد ، ومن أفطره كله فعليه شهر واحد أيضا ولا مزيد . سعيد بن المسيب