2161 - مسألة : ؟ اختلف الناس في أحكام أهل البغي فقال أحكام أهل البغي ، وأصحابه - حاشا [ ص: 352 ] أبو حنيفة - أنه ما حكم به قاضي أهل البغي فلا يجوز لقاضي أهل العدل أن يجيز ذلك ، ولا أن يقبل كتابه قالوا : الطحاوي فلا يأخذها الإمام ثانية ، لكن الأفضل لمن أخذوها منه أن يؤديها مرة أخرى . وما أخذوه من صدقة
قالوا : وأما من مر عليهم من التجار فعشروه فإن الإمام يأخذه ثانية من التجار .
وقال : ينفذ كل قضية قضوها إذا وافقت الحق ، ويجزي ما أخذوه من الزكاة ، وما أقاموا من الحدود - وهو قول الشافعي . مالك
وقال - وأصحابنا لا ينفذ شيء من قضاياهم ، ولا بد من إعادتها ولا يجزئ ما أخذوه من الصدقات ، ولا ما أقاموا من الحدود ، ولا بد من أخذ الصدقات ، ومن إقامة الحدود ثانية . أبو سليمان
قال رحمه الله : فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى . أبو محمد
فنظرنا في قول ، فوجدناهم يحتجون بأن قالوا : إن أخذ الصدقات إنما جاء التضييع من قبل الإمام فقد يجب عليه دفعهم ، وأما من مر عليهم فقد عرض ماله للتلف قال أبي حنيفة رحمه الله : ما نعلم لهم شبهة غير هذا وهذا لا شيء ; لأنه لم يأت نص ولا إجماع بأن تضييع الإمام يسقط الحقوق الواجبات لله تعالى وأيضا - فكما أخذوا العشر ثانية ممن جعلوا ذنبه أنه عرض ماله للتلف فكذلك يلزمهم أن يأخذوا الزكاة ثانية ، ويجعلوا ذنب أهلها أنهم عرضوا أموالهم للتلف ، فقد كان يمكنهم الهرب عن موضع البغاة ، أو يعذروا المعشرين . أبو محمد
ثم نظرنا فيما احتج به ، مالك ، فوجدناهم يقولون : إنهم إذا حكموا بالحق كما أمر الله تعالى ; وإذا أخذوا الزكاة كما أمر الله تعالى ، وأقاموا الحدود كما أمر الله تعالى ، فقد تأدى كل ذلك كما أمر الله تعالى ، وإذا تأدى كما أمر الله تعالى ، فلا يجوز أن يقام ذلك على أهله ثانية ، فيكون ذلك ظلما . والشافعي
وقال بعضهم : كما لا يؤاخذون بما أصابوا من دم أو مال ، فكذلك لا يؤاخذون - [ ص: 353 ] هم ولا غيرهم - بما حكموا أو أقاموا من حد ، أو أخذوا من مال صدقة ، أو غيرها - بحق أو بباطل - ولا فرق .
قال رحمه الله : وهذا كله ليس كما قالوا ، وذلك أننا نسألهم ، فنقول لهم : ماذا تقولون : إذا كان الإمام حاضرا ممكنا عدلا ، أيحل أن يأخذ صدقة دونه ، أو يقيم حدا دونه ، أو يحكم بين اثنين دونه ، أم لا يحل ذلك ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ فإن قالوا : هذا كله مباح : خرقوا الإجماع ، وتركوا قولهم ، وأبطلوا الأمانة التي افترضها الله تعالى ، وأوجبوا أن لا حاجة بالناس إلى إمام - وهذا خلاف الإجماع والنص . وإن قالوا : بل لا يحل أخذ شيء من ذلك كله ما دام الإمام قائما فقد صح أن لا يحل أن يكون حاكما إلا من ولاه الإمام الحكم ، ولا أن يكون آخذا للحدود إلا من ولاه الإمام ذلك ، ولا أن يكون مصدقا إلا من ولاه الإمام أخذها ، فإن ذلك كذلك فكل من أقام - حدا ، أو أخذ صدقة ، أو قضى قضية ، وليس ممن جعل الله ذلك له بتقديم الإمام ، فلم يحكم كما أمره الله تعالى ، ولا أقام الحد كما أمره الله تعالى ، ولا أخذ الصدقة كما أمره الله تعالى ; فإذ لم يفعل ذلك كما أمر ، فلم يفعل شيئا من ذلك بحق ، وإذا لم يفعل ذلك بحق ، فإنما فعله بباطل ، وإذ فعله بباطل فقد تعدى ; وقال تعالى { أبو محمد ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } فإذ هو ظلم ، فالظلم لا حكم له إلا رده ونقضه فصح من هذا أن كل من أخذ منهم صدقة فعليه ردها ; لأنه أخذها بغير حق ، فهو متعد ، فعليه ضمان ما أخذ ، إلا أن يوصله إلى الأصناف المذكورة في القرآن فإذا أوصلها إليهم فقد تأدت الزكاة إلى أهلها - وبالله تعالى التوفيق . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وصح من هذا أن كل حد أقاموه فهو مظلمة لا يعتد به ، وتعاد الحدود ثانية ولا بد ، وتؤخذ الدية من مال من قتلوه قودا ، وأن يفسخ كل حكم حكموه ولا بد .
ويبين ما قلناه نصا : ما روينا من طريق : نا مسلم محمد بن نمير نا - نا عبد الله - هو ابن إدريس ابن عجلان ، ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، كلهم [ ص: 354 ] عن وعبيد الله بن عمر عن أبيه عن جده ، قال : { عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت } . بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم
ومن طريق نا مسلم أبو بكر بن نافع ثنا غندر ثنا عن شعبة زياد بن علاقة قال : سمعت عرفجة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول { } . إنه سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة - وهي جميع - فاضربوه بالسيف ، كائنا من كان
قال رحمه الله : فصح أن لهذا الأمر أهلا لا يحل لأحد أن ينازعهم إياه ، وأن تفريق هذه الأمة بعد اجتماعها لا يحل . أبو محمد
فصح أن المنازعين في الملك والرياسة مريدون تفريق جماعة هذه الأمة ، وأنهم منازعون أهل الأمر أمرهم ، فهم عصاة بكل ذلك .
فصح أن أهل البغي عصاة في منازعتهم الإمام الواجب الطاعة ، وإذ هم فيه عصاة ، فكل حكم حكموه مما هو إلى إمام ، وكل زكاة قبضوها مما قبضها إلى الإمام ، وكل حد أقاموه مما إقامته إلى الإمام - فكل ذلك منهم ظلم وعدوان .
ومن الباطل أن تنوب معصية الله تعالى عن طاعته ، وأن يجزي الظلم عن العدل ، وأن يقوم الباطل مقام الحق ، وأن يغني العدوان عن الإنصاف .
فصح ما قلنا نصا ووجب رد كل ما عملوا من ذلك لقول النبي عليه السلام { } فإن لم يكن للناس إمام ممكن فقد قلنا : إن كل من قام بالحق حينئذ فهو نافذ ، فالبغاة - إن كانوا مسلمين - فكل ما فعلوه في ذلك فهو نافذ - وأما إن كانوا كفارا فلا ينفذ من حكم الكافر في دين الله تعالى شيء أصلا - وبالله تعالى التوفيق . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد