2154 - مسألة : وأما ؟ فإن الناس اختلفوا في ذلك : فقال القسامة في العبد يوجد مقتولا ، أبو حنيفة : القسامة في العبد يوجد قتيلا كما هي في الحر ، وعليهم قيمته في ثلاث سنين ، لا يبلغ بها دية حر - وروي عن ومحمد بن الحسن : لا قسامة فيه ، ولا غرامة وهو هدر - وهو قول أبي يوسف ، وأصحابه ، مالك . وابن شبرمة
وقال الأوزاعي : لا قسامة فيه ، ولكن يغرمون ثمنه .
وقال : ، زفر : فيه القسامة والقيمة ، إلا أن والشافعي قال : يقسمون ويغرمون قيمته - وقال زفر : يحلف العبد ويغرم القوم قيمته . الشافعي
قال : وقولنا فيه إن القسامة فيه كالحر - سواء سواء - في كل حكم من أحكامه ؟ فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها . أبو محمد
فوجدنا من قال : لا قسامة في العبد يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حكم [ ص: 319 ] بالقسامة في حر لا في عبد ، فلا يجوز أن نحكم بها إلا حيث حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال بعضهم : العبد مال كالبهيمة ولا قسامة في البهيمة ، ولا في سائر الأموال - وما نعلم لهم حجة غير هذا ؟ فلما نظرنا في ذلك وجدنا هاتين الحجتين لا متعلق لهم فيهما : أما قولهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم بالقسامة إلا في حر ؟ فقد قلنا : في هذا ما كفى ، ولم يقل عليه السلام إني إنما حكمت بهذا ; لأنه كان حرا ؟ فنقول عليه ما لم يقل ، ونخبر عن مراده بما لم يخبر - عليه السلام - عن نفسه وهذا تكهن وتخرص بالباطل ، وهذا لا يحل أصلا ، والعبد قتيل ففيه القسامة كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مزيد .
وأما قول من قال : إن العبد مال فلا قسامة فيه كما لا قسامة في البهيمة ؟ فقول فاسد ; لأنه قياس ، والقياس كله باطل ، فالعبد - وإن كان مالا فأرادوا أن يجعلوا له حكم الأموال والبهائم من أجل أنه مال ، فإن الحر أيضا حيوان كما أن البهيمة حيوان ، فينبغي أن نبطل القسامة في الحر قياسا على بطلانها في سائر الحيوان ؟ وأيضا - فلا خلاف في أن الإثم عند الله عز وجل في قتل العبد ، كالإثم في قتل الحر ; لأنهما جميعا نفس محرمة ، وداخلان تحت قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } وليس كذلك قاتل البهيمة .
فوجب على أصولهم - أن نحكم للعبد إذا وجد مقتولا بمثل الحكم في الحر إذا وجد مقتولا ، لا بمثل الحكم في البهيمة - لا سيما في قول الحنفيين الموجبين للقود بين الحر والعبد في العمد - فهذه تسوية بينهما صحيحة ، وكذلك في قول المالكيين ، والشافعيين : الموجبين للكفارة في قتل العبد خطأ ، كما يوجبونها في قتل الحر خطأ بخلاف قتل البهيمة خطأ ؟ فبطل كل ما شغبوا به ، وصح أن القسامة واجبة في العبد كما هي في الحر من طريق حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طريق القياس .
وأما قول من ألزم قيمة العبد من وجد بين أظهرهم دون قسامة ، فقول لا يؤيده [ ص: 320 ] قرآن ولا سنة ، ولا إجماع ولا قياس ، ولا نظر - وهو أكل مال بالباطل وإغرام قوم لم يثبت قبلهم حق ؟ قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولا قسامة في بهيمة وجدت مقتولة ، ولا في شيء وجد من الأموال مفسودا ; لأن البهيمة لا تسمى " قتيلا " في اللغة ، ولا في الشريعة ، وإنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في القتيل ، فلا يحل تعدي حكمه { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } ، { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } والأموال محرمة إلا بنص ، أو إجماع ؟ فالواجب في البهيمة - توجد مقتولة أو تتلف - وفي الأموال كلها : ما أوجبه الله تعالى على لسان رسوله - عليه السلام - إذ يقول { } . بينتك أو يمينه ليس لك إلا ذلك
فالواجب في ذلك إن أن يكلفه البينة ؟ فإن أتى بها قضى له بها ، وإن لم يأت بها حلف المدعى عليه ولا بد ، ولا ضمان في ذلك إلا ببينة أو إقرار - وهذا حكم كل دعوى في دم ، أو مال ، أو غير ذلك ، حاشا القتيل يوجد ، ففيه القسامة كما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم . ادعى صاحب البهيمة توجد مقتولة أو صاحب المال إتلاف ماله على أحد
واختلف الناس في ؟ فقالت طائفة : لا قسامة فيه - ورأى الذمي يوجد قتيلا فيه القسامة . أبو حنيفة
قال رحمه الله : والقول فيه كما قلنا في العبد ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان إنما حكم بالقسامة في مسلم ادعى على أبو محمد يهود خيبر فلم يقل عليه الصلاة والسلام : إنما حكمت بها ، لأنه مسلم ادعى على يهودي ؟ فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة والسلام ما لم يقله ، لكنه - عليه السلام - حكم بها في قتيل وجد ، ولم يخص عليه السلام حالا من حال ، والذمي قتيل ، فالقسامة فيه واجبة إذا ادعاها أولياؤه على ذمي أو ذميين ; لأنه إن ادعوها على مسلم - فحتى لو صح ما ادعوه بالبينة - فلا قود فيه ولا دية ، ولكن إن أرادوا أن يقسموا ويوديه الإمام ، فذلك لهم ; لما ذكرنا .
وقد اتفق القائلون بالقسامة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإن كان - حكم بها في مسلم ادعى على يهود ؟ فإن الحكم بها واجب في مسلم ادعى - على مسلمين ، وهذه غير الحال التي حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم ادعى بالقسامة على أصولهم ، ولا [ ص: 321 ] فرق بين الحكم بها في مسلم على مسلمين ، وبين الحكم بها في ذمي على ذميين أو على مسلمين ; لعموم حكمه - عليه السلام - وإنه لم يخص - عليه السلام - صفة من صفة - وبالله تعالى التوفيق .