ومن ، أو قال : إلا مائة قفيز تمر ، أو نحو ذلك ، أو إلا جارية - ولا بينة عليه بشيء ولا له - قوم القمح الذي ادعاه ، فإن ساوى المائة الدينار التي أقر بها ، أو ساوى أكثر : فلا شيء عليه - وإن ساوى أقل : قضي بالفضل فقط للذي أقر له . قال : لفلان عندي مائة دينار دين ولي عنده مائة قفيز قمح
برهان ذلك - : أنه لم يقر له قط إقرارا تاما ، بل وصله بما أبطل به أول كلامه ، فلم يثبت له قط على نفسه شيئا . [ ص: 109 ] ولو جاز أن يؤخذ ببعض كلامه دون بعض لوجب أن يقتل من قال : لا إله إلا الله ; لأن نصف كلامه إذا انفرد - : كفر صحيح - وهو قوله " لا إله " فيقال له : كفرت ، ثم ندمت - وهو قول فاسد جدا
ولوجب أيضا أن يبطل الاستثناء كله بمثل هذا ; لأنه إبطال لما أثبته بأول كلامه قبل أن يستثني ما استثنى .
وقد قال قوم : إنما يجوز الاستثناء من نوع ما قبله لا من نوع غيره
قال : وهذا باطل لأن الله تعالى يقول : { أبو محمد إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم } .
وقال تعالى : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس } فاستثنى إبليس من الملائكة وليس منهم ، بل من الجن الذين ينسلون ، والملائكة لا تنسل ، واستثنى تعالى : { من ظلم } من المرسلين ، وليسوا من أهل صفتهم ، وقال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وليس " اليعافير " و " العيس " من " الأنيس " وقد استثناهم الشاعر العربي الفصيح .