[ ص: 301 ] مسألة :
ومن ، أو إلا أن يشاء الله ، أو إلا أن لا يشاء الله ، أو نحو هذا ، أو إلا أن أشاء ، أو إلا أن لا أشاء ، أو إلا إن بدل الله ما في قلبي ، أو إلا أن يبدو إلي ، أو إلا أن يشاء فلان ، أو إن شاء فلان ، فهو استثناء صحيح وقد سقطت اليمين عنه بذلك ، ولا كفارة عليه إن خالف ما حلف عليه . حلف على شيء ثم قال موصولا بكلامه : إن شاء الله تعالى
فلو لم يصل الاستثناء بيمينه لكن قطع قطع ترك للكلام ثم ابتدأ الاستثناء لم ينتفع بذلك ، وقد لزمته اليمين ، فإن حنث فيها فعليه الكفارة .
ولا يكون الاستثناء إلا باللفظ ، وأما بنية دون لفظ فلا ، لقول الله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فهذا لم يعقد اليمين .
ونحن على يقين من أن الله تعالى لو شاء تمام تلك اليمين لأنفذها ، وأتمها ، فإذ لم ينفذها عز وجل ولا أتمها ، فنحن على يقين من أنه تعالى لم يشأ كونها وهو إنما التزمها إن شاء الله تعالى ، والله تعالى لم يشأها ، فلم يلتزمها قط .
وكذلك اشتراطه مشيئة نفسه ، أو مشيئة زيد ، لأن مشيئته لا تعلم إلا من قبله فهو مصدق فيها - ومشيئة زيد لا ندري أصدق في دعواه أنه شاء أو لم يصدق ؟ ولا ندري أيضا أصدق في دعواه أنه لم يشأ أو لم يصدق ؟ فلسنا على يقين من لزوم هذه اليمين التي حلف بها ، فلم يجز أن نلزمه كفارة بالشك .
ومن طريق أحمد بن زهير بن حرب نا عن يحيى بن معين عن عبد الرزاق عن معمر عن أبيه عن ابن طاووس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } ومن طريق من حلف فقال : إن شاء الله ، لم يحنث محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد عن عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري - عن عن أيوب السختياني عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } فهذا عموم لكل استثناء كما ذكرنا . [ ص: 302 ] من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث
قال : وقوله عليه السلام فقال : " إن شاء الله " أو " فاستثنى " يقتضي القول ، والقول لا يكون إلا باللسان ، لا يكون بالنية أصلا . أبو محمد
وقد قال قوم : إن استثنى في نفسه أجزأه .
وروينا من طريق عن يحيى بن سعيد القطان محل بن محرز عن قال : لا ، حتى يجهر بالاستثناء كما جهر باليمين . إبراهيم النخعي
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري المغيرة عن : إن استثنى في نفسه فليس بشيء حتى يظهره بلسانه . إبراهيم
وعن عن معمر حماد في الاستثناء : ليس بشيء حتى يسمع نفسه .
وعن عن قتادة الحسن البصري إذا حرك لسانه أجزأ عنه في الاستثناء .
قال : وبهذا نقول ، لأنه قول صحيح - يعني حركة اللسان . أبو محمد
وأما فإن وصل الاستثناء باليمين قال : لا يكون مستثنيا إلا حتى ينوي الاستثناء في حين نطقه باليمين ، لا بعد تمامها ، لأنه إذا أتم اليمين ولم ينو فيها الاستثناء كان قد عقد يمينه فلزمته . أبا ثور
قال : ولا يعترض بالنظر على بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام : { أبو محمد } فأثبت له اليمين أولا ، ثم أسقطها عليه السلام عنه بقوله : " فقال إن شاء الله " والفاء تعطي أن تكون الثاني بعد الأول بلا مهلة - فصح ما قلناه . من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث
وقالت طائفة : الاستثناء جائز أبدا متى أراد أن يستثني - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد الله بن داود هو الخريبي - عن عن سليمان الأعمش عن مجاهد قال : له ثنياه بعد كذا وكذا . ابن عباس
ومن طريق خصيف عن قال : إن قال بعد سنين إن شاء الله تعالى فقد استثنى . مجاهد
وقالت طائفة بعد أربعة أشهر - : كما روينا من طريق سالم الأفطس عن قال : إن قال بعد أربعة أشهر - إن شاء الله - فقد استثنى . سعيد بن جبير
وقالت طائفة : بعد شهر - : كما روينا من طريق عن [ ص: 303 ] يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري سالم بن عجلان الأفطس عن قال : إذا حلف الرجل فقال : بعد شهر - إن شاء الله - فله ثنياه . سعيد بن جبير
وقالت طائفة : من نسي فله أن يستثني متى ما ذكر - : كما روينا من طريق نا ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن مجاهد قال : يستثني في يمينه متى ما ذكر ، وقرأ : { ابن عباس واذكر ربك إذا نسيت } .
وصح [ هذا ] أيضا عن [ وعن ] سعيد بن جبير . أبي العالية
وقالت طائفة : في ذلك بمهلة غير محدودة - : كما روينا من طريق عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود قال : قال القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود : من حلف ثم قال : إن شاء الله - فهو بالخيار . عبد الله بن مسعود
وقالت طائفة : بمقدار حلب شاة غزيرة - : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة ابن أبي نجيح عن ، قال : له الاستثناء في اليمين بمقدار حلب الناقة الغزيرة . عطاء
وطائفة قالت : له الاستثناء ما لم يقم عن مجلسه ، أو يتكلم - : كما روينا من طريق عن حماد بن سلمة قال : إذا حلف ثم استثنى قبل أن يقوم أو يتكلم فله ثنياه . قتادة
وطائفة قالت : ما لم يقم فقط - : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج عن أبيه قال : من استثنى لم يحنث وله الثنيا ما لم يقم من مجلسه . ابن طاووس
ومن طريق عن ابن أبي شيبة عن حماد بن سلمة عن هشام بن حسان الحسن البصري : أنه كان يرى الاستثناء في اليمين ما لم يقم من مقعده ذلك لا يوجب عليه الكفارة إن استثنى قبل أن يقوم .
وقالت طائفة : له الاستثناء في أول نهاره - : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود قال : قال القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال عبد الله بن مسعود [ ص: 304 ] ما من رجل يقول حين يصبح : اللهم ما قلت من قول ، أو حلفت من حلف ، أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله ، ما شئت منه كان ، وما لم تشأ لم يكن ، فاغفره لي ، وتجاوز لي عنه ، اللهم من صليت عليه فصلواتي عليه ، ومن لعنته فلعنتي عليه ، إلا كان في استثنائه بقية يومه ذلك أبو ذر هو الغفاري
وأما قولنا : فإننا روينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر أيوب عن أن نافع كان يحلف يقول : والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله - ثم يفعله ولا يكفر . ابن عمر
وقد صح عن : أنه كان يكفر أيمانا أخر - : فقد ثبت عنه إسقاط الكفارة إذا وصل الاستثناء بكلامه ، ولم يصح عنه في المهلة شيء ، فظاهره أنه إذا لم يكن استثناؤه موصولا بيمينه كفر . ابن عمر
ومن طريق عن عبد الرزاق قال لي ابن جريج : إذا حلف ثم استثنى على أثر ذلك ومع ذلك ، وعند ذلك ، قال عطاء كأنه يقول : ما لم يقطع اليمين ويتركه - وصح عن ابن جريج عن الأعمش في الاستثناء في اليمين قال : ما كان في كلامه بقول . إبراهيم
ورويناه أيضا عن الشعبي ، والحسن ، . وسفيان الثوري
وهو قول ، أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي . وأبي سليمان
قال : إنما قلنا بهذا لقول الله تعالى : { أبو محمد ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية فأوجب الله تعالى الكفارة على من عقد اليمين ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } فلم يجعل الاستثناء مردودا على اليمين إلا بالفاء ، والفاء في لغة من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث العرب توجب تعقيبا بلا مهلة فوقفنا عند ذلك .
وقال بعضهم : لو كان ما قال ما لزمت أحدا كفارة أبدا . ابن عباس
قال : وهذا لا شيء ، لأن علي لا يمنع من أراد الحنث وإيجاب الكفارة من أن يكفر ، لكن لو قالوا : هذا مما تكثر به البلوى فما كان مثل هذا ليخفى على ابن عباس لكان ألزم لهم . ابن عباس
والعجب أن أبا حنيفة يريان الاستثناء في اليمين بالله تعالى فقط ولا يريانه في سائر الأيمان ، وهذا عجب جدا أن يكون الأيمان بغير الله تعالى أوكد وأعظم [ ص: 305 ] من اليمين بالله ، لأن اليمين بالله تعالى يسقطها الاستثناء ويسقطها الكفارة ، واليمين بغير الله تعالى أجل من أن يسقطها الاستثناء ومن أن يسقطها الكفارة ، ومن أن يكون فيها غير الوفاء بها . ومالكا
ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول البشيع الشنيع ، والكفارة في نص القرآن جاءت على الأيمان جملة ، والاستثناء في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في جملة ، فإن كان تلك أيمانا فالاستثناء والكفارة فيها وإن لم تكن أيمانا فمن أين ألزموها ؟ وعجب آخر عجيب جدا وهو أن قال : إن الاستثناء في الأيمان إن نوى به الحالف الاستثناء فهو استثناء صحيح ، فإن نوى به قول الله عز وجل : { مالكا ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } لم يكن استثناء .
قال : هذا كلام لا يدرى ما هو ؟ ولا ماذا أراد قائله به ، ولقد رمنا أن نجد عند من أخذنا قوله عنه من المنتمين إليه معنى يصح فهمه لهذا الكلام ، فما وجدناه إلا أنهم يحملونه كما جاء وكما نقول نحن في { أبو محمد كهيعص } و { طه } { آمنا به كل من عند ربنا } ، وإن لم نفهم معناه .
قال : فإن احتج محتج لقول أبو محمد وغيره بما روينا من طريق ابن عباس أبي داود نا محمد بن العلاء نا ابن بشر عن عن مسعر سماك بن حرب [ عن عكرمة ] يرفعه { قريشا ثم قال : إن شاء الله ثم قال والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله } قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والله لأغزون أبو داود : وقال عن الوليد بن مسلم شريك ، " ثم لم يغزهم " .
ورويناه أيضا من طريق شريك عن عن سماك عكرمة ، وأسنده جماعة عن عن سماك عكرمة عن . ابن عباس
قال : أبو محمد ضعيف يقبل التلقين ويلزم من اعتد بروايته في أخذ الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير أن يأخذ بها ههنا . [ ص: 306 ] سماك
ومن قال : إن المرسل كالمسند أن يقول بهذا أيضا .
ويلزمهم إذ قاسوا ما يكون صداقا على ما تقطع فيه اليد في السرقة أن يقيسوا مدة مهلة الاستثناء على مدة الإيلاء فيقولوا بقول في ذلك أو يجعلوه شهرا على قولهم في أجل المدين أنه يسجن شهرا ، ثم يسأل عنه بعد الشهر ؟ أو يقيسوه على قولهم الفاسد في المخيرة أن لها الخيار ما لم تقم عن مجلسها أو تتكلم ، فأي فرق بين هذه التحكمات في الدين بالباطل في تحريم الفروج وإباحتها ، وغير ذلك من الديانة وبين مهلة الاستثناء ؟ وهل هذا إلا شبه التلاعب بالدين ؟ والعجب من إجازتهم أكل ما ذبح أو نحر ونسي مذكيه أن يسمي الله تعالى عليه ، ثم لا يرون ههنا نسيان الاستثناء عذرا يوجبون للحالف به الاستثناء متى ذكر . سعيد بن جبير
فإن قالوا : فهلا قلتم أنتم بهذا كما أسقطتم الكفارة عمن فعل ما حلف عليه ناسيا ؟ قلنا : لم نفعل بذلك ، لأن الفاعل ناسيا ليس حانثا لأن الحانث هو القاصد إلى الحنث ، وناسي الاستثناء لم يستثن ، فانعقدت اليمين عليه فوجبت الكفارة بنص القرآن .
والكفارة لا تسقط بعد وجوبها إلا بنص ، ولم يسقطها النص إلا إذا قال موصولا باليمين ما يستثني به .
والعجب أنهم يقولون في مثل هذا إذا وافقهم : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فهلا قالوا في قول . أبي ذر
ههنا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، كما قالوا في رواية شيخ من وابن عباس بني كنانة عن البيع عن صفقة أو خيار : هذا لا يقال بالرأي ، فردوا به السنة الثابتة من أن كل بيعين فلا بيع بينهما ما لم يتفرقا وكانا معا . عمر