( 8225 ) فصل : ، فإن كانت ولايته في غير بلده ، فأراد السير إلى بلاد ولايته ، بحث عن قوم من أهل ذلك البلد ليسألهم عنه ، ويتعرف منهم ما يحتاج إلى معرفته ، فإن لم يجد ، سأل في طريقه ، فإن لم يجد ، سأل إذا دخل البلد عن أهله ، ومن به من العلماء والفضلاء وأهل العدالة والستر ، وسائر ما يحتاج إلى معرفته ، وإذا قرب من البلد ، بعث من يعلمهم بقدومه ليتلقوه ، ويجعل قدومه يوم الخميس إن أمكنه ; لأن النبي كان إذا قدم من سفر ، قدم يوم الخميس ، ثم يقصد الجامع ، فيصلي فيه ركعتين ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل إذا دخل وإن ولى الإمام رجلا القضاء المدينة ، ويسأل الله - تعالى التوفيق والعصمة والمعونة ، وأن يجعل عمله صالحا ، ويجعله لوجهه خالصا ، ولا يجعل لأحد فيه شيئا ، ويفوض أمره إلى الله تعالى ، ويتوكل عليه ، ويأمر مناديه فينادي في البلد ، أن فلانا قدم عليكم قاضيا ، فاجتمعوا لقراءة عهده ، وقت كذا وكذا .
وينصرف إلى منزله الذي قد أعد له ، وينبغي أن يكون في وسط البلد ; ليتساوى أهل المدينة فيه ، ولا يشق على بعضهم قصده ، فإذا اجتمعوا ، أمر بعهده فقرئ عليهم ليعلموا التولية ، ويأتوا إليه ، ويعد الناس يوما يجلس فيه للقضاء ، ثم ينصرف إلى منزله .
وأول ما يبدأ فيه من أمر الحكم ، أن يبعث إلى الحاكم المعزول فيأخذ منه ديوان الحكم ; وهو ما فيه وثائق الناس من المحاضر ، وهي نسخ ما ثبت عند الحاكم ، والسجلات نسخ ما حكم به ، وما كان عنده من حجج الناس ووثائقهم مودعة في ديوان الحكم ، فكانت عنده بحكم الولاية ، فإذا انتقلت الولاية إلى غيره ، كان عليه تسليمها [ ص: 96 ] إليه ، فتكون مودعة عنده في ديوانه ، ثم يخرج في اليوم الذي وعد بالجلوس فيه إلى مجلسه ، على أكمل حالة وأعدلها ، خليا من الغضب ، والجوع الشديد والعطش ، والفرح الشديد والحزن الكثير ، والهم العظيم ، والوجع المؤلم ، ومدافعة الأخبثين أو أحدهما ، والنعاس الذي يغمر القلب ; ليكون أجمع لقلبه ، وأحضر لذهنه ، وأبلغ في تيقظه للصواب ، وفطنته لموضع الرأي ; ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . فنص على الغضب ، ونبه على ما في معناه من سائر ما ذكرناه . لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان
ويسلم على من يمر به من المسلمين في طريقه ، ويذكر الله بقلبه ولسانه حتى يأتي مجلسه ، ويستحب أن يجعله في موضع بارز للناس فسيح ، كالرحبة والفضاء الواسع أو الجامع . ولا يكره ، فعل ذلك القضاء في المساجد ، شريح والحسن ، والشعبي ، ، ومحارب بن دثار ، ويحيى بن يعمر ، وابن أبي ليلى وابن خلدة ، قاض رضي الله عنه وروي عن لعمر بن عبد العزيز عمر وعثمان ، أنهم كانوا يقضون في المسجد . وعلي
وقال : القضاء في المسجد من أمر الناس القديم . وبه قال مالك ، مالك وإسحاق ، ، وقال وابن المنذر : يكره ذلك ، إلا أن يتفق خصمان عنده في المسجد ; لما روي أن الشافعي كتب إلى عمر ، أن لا تقضي في المسجد ; لأنه تأتيك الحائض والجنب . ولأن الحاكم يأتيه الذمي والحائض والجنب ، وتكثر غاشيته ، ويجري بينهم اللغط والتكاذب والتجاحد ، وربما أدى إلى السب وما لم تبن له المساجد . ولنا ، إجماع الصحابة بما قد رويناه عنهم . القاسم بن عبد الرحمن
وقال الشعبي : رأيت وهو مستند إلى القبلة ، يقضي بين الناس . وقال عمر : هو من أمر الناس القديم . ولأن القضاء قربة وطاعة وإنصاف بين الناس ، فلم يكره في المسجد ، ولا نعلم صحة ما رووه عن مالك ، وقد روي عنه خلافه . عمر
وأما الحائض ، فإن عرضت لها حاجة إلى القضاء ، وكلت ، أو أتته في منزله . والجنب يغتسل ويدخل ، والذمي يجوز دخوله بإذن مسلم . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مسجده ، مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك من حوائجهم ، وكان أصحابه يطالب بعضهم بعضا بالحقوق في المسجد ، وربما رفعوا أصواتهم .
فقد روي عن أنه قال : { كعب بن مالك ابن أبي حدرد دينا في المسجد ، حتى ارتفعت أصواتنا ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلي ، أن ضع من دينك الشطر . فقلت : نعم يا رسول الله ، فقال : فقم فاقضه } . وينبغي أن يكون جلوسه في وسط البلد ، لئلا يبعد على قاصديه ، ولا يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه ; لما روى تقاضيت ، عن القاسم بن مخيمرة أبي مريم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } . رواه من ولي من أمور الناس شيئا ، واحتجب دون حاجتهم ، احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره الترمذي .
ولأن حاجبه ربما قدم المتأخر وأخر المتقدم لغرض له ، وربما كسرهم بحجبهم والاستئذان لهم . ولا بأس باتخاذ حاجب في غير مجلس القضاء . ويبسط له شيء يجلس عليه ولا يجلس على التراب ، ولا على حصير المسجد ; لأن ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم ، ويجعل جلوسه مستقبل القبلة ; لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة . وهذه الآداب المذكورة في هذا الفصل ليست شرطا في الحكم ، إلا الخلو من الغضب وما في معناه ، فإن في اشتراطه روايتين .