المسألة الرابعة : قال وأصحابه رضي الله عنهم : أبو حنيفة نجسة نجاسة حكمية ، وبنوا عليه أن أعضاء المحدث نجس ، ثم روى الماء المستعمل في الوضوء والجنابة أبو يوسف رحمه الله تعالى أنه نجس نجاسة خفيفة ، وروى : أنه نجس نجاسة غليظة ، وروى الحسن بن زياد محمد بن الحسن أن ذلك الماء طاهر .
واعلم أن قوله تعالى :( إنما المشركون نجس ) يدل على فساد هذا القول ؛ لأن كلمة "إنما" للحصر ، وهذا يقتضي أن لا نجس إلا المشرك ، فالقول بأن أعضاء المحدث نجسة مخالف لهذا النص ، والعجب أن هذا النص صريح في أن ، وفي أن المؤمن ليس بنجس ، ثم إن قوما ما قلبوا القضية ، وقالوا : المشرك طاهر والمؤمن حال كونه محدثا أو جنبا نجس ، وزعموا أن المياه التي استعملها المشركون في أعضائهم بقيت طاهرة مطهرة ، والمياه التي يستعملها أكابر الأنبياء في أعضائهم نجسة نجاسة غليظة ، وهذا من العجائب ، ومما يؤكد القول المشرك نجس قوله عليه السلام : " بطهارة أعضاء المسلم " فصار هذا الخبر مطابقا للقرآن ، ثم الاعتبارات الحكمية طابقت القرآن ، والأخبار في هذا الباب ؛ لأن المسلمين أجمعوا على أن إنسانا لو المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا لم تبطل صلاته ، ولو كانت حمل محدثا في صلاته لم تنجس يده ، ولو يده رطبة ، فوصلت إلى يد محدث لم ينجس ذلك الثوب ، فالقرآن والخبر والإجماع تطابقت على القول بطهارة أعضاء المحدث ، فكيف يمكن مخالفته ؟ وشبهة المخالف أن الوضوء يسمى طهارة ، والطهارة لا تكون إلا بعد سبق النجاسة ، وهذا ضعيف ؛ لأن عرق المحدث ووصلت تلك النداوة إلى ثوبه ، قال الله تعالى في صفة أهل البيت :( الطهارة قد تستعمل في إزالة الأوزار والآثام إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) [الأحزاب : 33] وليست هذه الطهارة إلا عن الآثام والأوزار ، وقال في صفة مريم :( إن الله اصطفاك وطهرك ) [آل عمران : 42] والمراد تطهيرها عن التهمة الفاسدة .
وإذا ثبت هذا فنقول : جاءت الأخبار الصحيحة في أن ، فلما فسر الشارع كون الوضوء طهارة بهذا المعنى ، فما الذي حملنا على مخالفته ، والذهاب إلى شيء يبطل القرآن والأخبار والأحكام الإجماعية ؟ الوضوء تطهير الأعضاء عن الآثام والأوزار