ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الآية سؤال وهو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) يقتضي أن الدين كان ناقصا قبل ذلك ، وذلك يوجب أن الدين الذي كان - صلى الله عليه وسلم - مواظبا عليه أكثر عمره كان ناقصا ، وأنه إنما وجد الدين الكامل في آخر عمره مدة قليلة .
واعلم أن المفسرين لأجل الاحتراز عن هذا الإشكال ذكروا وجوها :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28976المراد من قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3أكملت لكم دينكم ) هو إزالة الخوف عنهم وإظهار القدرة لهم على أعدائهم ، وهذا كما يقول الملك عندما يستولي على عدوه ويقهره قهرا كليا : اليوم كمل ملكنا ، وهذا الجواب ضعيف لأن ملك ذلك الملك كان قبل قهر العدو ناقصا .
الثاني : أن المراد : إني أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكاليفكم من تعلم الحلال والحرام ، وهذا أيضا ضعيف لأنه لو لم يكمل لهم قبل هذا اليوم ما كانوا محتاجين إليه من الشرائع كان ذلك تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة ، وإنه لا يجوز .
الثالث : وهو الذي ذكره
القفال وهو المختار : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28643الدين ما كان ناقصا البتة ، بل كان أبدا كاملا ، يعني كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت ، إلا أنه تعالى كان عالما في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه ، فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت وكان يزيد بعد العدم ، وأما في آخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة وحكم ببقائها إلى يوم القيامة ، فالشرع أبدا كان كاملا ، إلا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص ، والثاني كمال إلى يوم القيامة فلأجل هذا المعنى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) .
المسألة الثانية : قال
nindex.php?page=treesubj&link=21706نفاة القياس : دلت الآية على أن القياس باطل ، وذلك لأن الآية دلت على أنه تعالى قد نص على الحكم في جميع الوقائع ، إذ لو بقي بعضها غير مبين الحكم لم يكن الدين كاملا ، وإذا حصل النص في جميع الوقائع فالقياس إن كان على وفق ذلك النص كان عبثا ، وإن كان على خلافه كان باطلا .
أجاب مثبتو القياس بأن المراد بإكمال الدين أنه تعالى بين حكم جميع الوقائع بعضها بالنص وبعضها بأن بين طريق معرفة الحكم فيها على سبيل القياس ، فإنه تعالى لما جعل
nindex.php?page=treesubj&link=21705الوقائع قسمين أحدهما التي نص على أحكامها ، والقسم الثاني أنواع يمكن استنباط الحكم فيها بواسطة قياسها على القسم الأول ، ثم إنه تعالى لما أمر بالقياس وتعبد المكلفين به كان ذلك في الحقيقة بيانا لكل الأحكام ، وإذا كان كذلك كان ذلك إكمالا للدين . قال نفاة القياس : الطرق المقتضية لإلحاق غير المنصوص بالمنصوص إما أن تكون دلائل قاطعة أو غير قاطعة ، فإن كان القسم الأول فلا نزاع في صحته ، فإنا نسلم أن القياس المبني على المقدمات اليقينية حجة ، إلا أن مثل هذا القياس يكون المصيب فيه واحدا ، والمخالف يكون مستحقا للعقاب ، وينقض
[ ص: 110 ] قضاء القاضي فيه وأنتم لا تقولون بذلك ، وإن كان الحق هو القسم الثاني كان ذلك تمكينا لكل أحد أن يحكم بما غلب على ظنه من غير أن يعلم أنه هل هو دين الله أم لا ، وهل هو الحكم الذي حكم به الله أم لا ، ومعلوم أن مثل هذا لا يكون إكمالا للدين ، بل يكون ذلك إلقاء للخلق في ورطة الظنون والجهالات ، قال
nindex.php?page=treesubj&link=21705مثبتو القياس : إذا كان تكليف كل مجتهد أن يعمل بمقتضى ظنه كان ذلك إكمالا للدين ، ويكون كل مكلف قاطعا بأنه عامل بحكم الله فزال السؤال .
المسألة الثالثة : قال أصحابنا : هذه الآية دالة على بطلان
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309قول الرافضة ، وذلك لأنه تعالى بين أن الذين كفروا يئسوا من تبديل الدين ، وأكد ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فلا تخشوهم واخشون ) فلو كانت إمامة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - منصوصا عليها من قبل الله تعالى وقبل رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصا واجب الطاعة لكان من أراد إخفاءه وتغييره آيسا من ذلك بمقتضى هذه الآية ، فكان يلزم أن لا يقدر أحد من الصحابة على إنكار ذلك النص وعلى تغييره وإخفائه ، ولما لم يكن الأمر كذلك ، بل لم يجر لهذا النص ذكر ، ولا ظهر منه خبر ولا أثر ، علمنا أن ادعاء هذا النص كذب ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ما كان منصوصا عليه بالإمامة .
المسألة الرابعة : قال أصحاب الآثار : إنه لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا وثمانين يوما ، أو اثنين وثمانين يوما ، ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ولا تبديل البتة ، وكان ذلك جاريا مجرى إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قرب وفاته ، وذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزا ، ومما يؤكد ذلك ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ هذه الآية على الصحابة فرحوا جدا وأظهروا السرور العظيم إلا
أبا بكر - رضي الله عنه - فإنه بكى فسئل عنه فقال : هذه الآية تدل على قرب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه ليس بعد الكمال إلا الزوال ، فكان ذلك دليلا على
nindex.php?page=treesubj&link=31136كمال علم nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق حيث وقف من هذه الآية على سر لم يقف عليه غيره .
المسألة الخامسة : قال أصحابنا : دلت الآية على أن الدين لا يحصل إلا بخلق الله تعالى وإيجاده ، والدليل عليه أنه أضاف إكمال الدين إلى نفسه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) ولن يكون إكمال الدين منه إلا وأصله أيضا منه .
واعلم أنا سواء قلنا : الدين عبارة عن العمل ، أو قلنا إنه عبارة عن المعرفة ، أو قلنا إنه عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والفعل فالاستدلال ظاهر .
وأما
المعتزلة فإنهم يحملون ذلك على إكمال بيان الدين وإظهار شرائعه ، ولا شك أن الذي ذكروه عدول عن الحقيقة إلى المجاز .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) يَقْتَضِي أَنَّ الدِّينَ كَانَ نَاقِصًا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَاظِبًا عَلَيْهِ أَكْثَرَ عُمُرِهِ كَانَ نَاقِصًا ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَدَ الدِّينَ الْكَامِلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مُدَّةً قَلِيلَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ ذَكَرُوا وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28976الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) هُوَ إِزَالَةُ الْخَوْفِ عَنْهُمْ وَإِظْهَارُ الْقُدْرَةِ لَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ عِنْدَمَا يَسْتَوْلِي عَلَى عَدُوِّهِ وَيَقْهَرُهُ قَهْرًا كُلِّيًّا : الْيَوْمَ كَمُلَ مَلْكُنَا ، وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُلْكَ ذَلِكَ الْمَلِكِ كَانَ قَبْلَ قَهْرِ الْعَدُوِّ نَاقِصًا .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ : إِنِّي أَكْمَلْتُ لَكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي تَكَالِيفِكُمْ مِنْ تَعَلُّمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُكْمِلْ لَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ مَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَائِعِ كَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
الثَّالِثُ : وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْقَفَّالُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28643الدِّينَ مَا كَانَ نَاقِصًا الْبَتَّةَ ، بَلْ كَانَ أَبَدًا كَامِلًا ، يَعْنِي كَانَتِ الشَّرَائِعُ النَّازِلَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَافِيَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْمَبْعَثِ بِأَنَّ مَا هُوَ كَامِلٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ بِكَامِلٍ فِي الْغَدِ وَلَا صَلَاحَ فِيهِ ، فَلَا جَرَمَ كَانَ يَنْسَخُ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَكَانَ يَزِيدُ بَعْدَ الْعَدَمِ ، وَأَمَّا فِي آخِرِ زَمَانِ الْمَبْعَثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ شَرِيعَةً كَامِلَةً وَحَكَمَ بِبَقَائِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَالشَّرْعُ أَبَدًا كَانَ كَامِلًا ، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَمَالٌ إِلَى زَمَانٍ مَخْصُوصٍ ، وَالثَّانِي كَمَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=21706نُفَاةُ الْقِيَاسِ : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ ، إِذْ لَوْ بَقِيَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنِ الدِّينُ كَامِلًا ، وَإِذَا حَصَلَ النَّصُّ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ فَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ النَّصِّ كَانَ عَبَثًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ بَاطِلًا .
أَجَابَ مُثْبِتُو الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِكْمَالِ الدِّينِ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ بَعْضَهَا بِالنَّصِّ وَبَعْضَهَا بِأَنْ بَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْقِيَاسِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=21705الْوَقَائِعَ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا الَّتِي نُصَّ عَلَى أَحْكَامِهَا ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْوَاعٌ يُمْكِنُ اسْتِنْبَاطُ الْحُكْمِ فِيهَا بِوَاسِطَةِ قِيَاسِهَا عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْقِيَاسِ وَتَعَبَّدَ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيَانًا لِكُلِّ الْأَحْكَامِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ إِكْمَالًا لِلدِّينِ . قَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ : الطُّرُقُ الْمُقْتَضِيَةُ لِإِلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَائِلَ قَاطِعَةً أَوْ غَيْرَ قَاطِعَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ ، فَإِنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَبْنِيَّ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ الْيَقِينِيَّةِ حُجَّةٌ ، إِلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْقِيَاسِ يَكُونُ الْمُصِيبُ فِيهِ وَاحِدًا ، وَالْمُخَالِفُ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ ، وَيُنْقَضُ
[ ص: 110 ] قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ هُوَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ كَانَ ذَلِكَ تَمْكِينًا لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ هُوَ دِينُ اللَّهِ أَمْ لَا ، وَهَلْ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ اللَّهُ أَمْ لَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ إِكْمَالًا لِلدِّينِ ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِلْقَاءً لِلْخَلْقِ فِي وَرْطَةِ الظُّنُونِ وَالْجَهَالَاتِ ، قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=21705مُثْبِتُو الْقِيَاسِ : إِذَا كَانَ تَكْلِيفُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ كَانَ ذَلِكَ إِكْمَالًا لِلدِّينِ ، وَيَكُونُ كُلُّ مُكَلَّفٍ قَاطِعًا بِأَنَّهُ عَامِلٌ بِحُكْمِ اللَّهِ فَزَالَ السُّؤَالُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ أَصْحَابُنَا : هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309قَوْلِ الرَّافِضَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا مِنْ تَبْدِيلِ الدِّينِ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) فَلَوْ كَانَتْ إِمَامَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْصُوصًا عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِبَلِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا وَاجِبَ الطَّاعَةِ لَكَانَ مَنْ أَرَادَ إِخْفَاءَهُ وَتَغْيِيرَهُ آيِسًا مِنْ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ ، فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ النَّصِّ وَعَلَى تَغْيِيرِهِ وَإِخْفَائِهِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ لَمْ يَجْرِ لِهَذَا النَّصِّ ذِكْرٌ ، وَلَا ظَهَرَ مِنْهُ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ ، عَلِمْنَا أَنَّ ادِّعَاءَ هَذَا النَّصِّ كَذِبٌ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ أَصْحَابُ الْآثَارِ : إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَمَّرْ بَعْدَ نُزُولِهَا إِلَّا أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا ، أَوِ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ يَوْمًا ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الشَّرِيعَةِ بَعْدَهَا زِيَادَةٌ وَلَا نَسْخٌ وَلَا تَبْدِيلٌ الْبَتَّةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى إِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قُرْبِ وَفَاتِهِ ، وَذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ فَيَكُونُ مُعْجِزًا ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الصَّحَابَةِ فَرِحُوا جِدًّا وَأَظْهَرُوا السُّرُورَ الْعَظِيمَ إِلَّا
أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَكَى فَسُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْكَمَالِ إِلَّا الزَّوَالُ ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31136كَمَالِ عِلْمِ nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ حَيْثُ وَقَفَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سِرٍّ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ أَصْحَابُنَا : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الدِّينَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَضَافَ إِكْمَالَ الدِّينِ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وَلَنْ يَكُونَ إِكْمَالُ الدِّينِ مِنْهُ إِلَّا وَأَصْلُهُ أَيْضًا مِنْهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّا سَوَاءٌ قُلْنَا : الدِّينُ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَمَلِ ، أَوْ قُلْنَا إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَعْرِفَةِ ، أَوْ قُلْنَا إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ وَالْفِعْلِ فَالِاسْتِدْلَالُ ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى إِكْمَالِ بَيَانِ الدِّينِ وَإِظْهَارِ شَرَائِعِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ عُدُولٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ .