ذكر مجاهد الدين وما حصل من الضرر بذلك القبض على
في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، قبض عز الدين مسعود ، صاحب الموصل ، على نائبه مجاهد الدين قايماز ، وكان إليه الحكم في جميع البلاد واتبع في ذلك هوى من أراد المصلحة لنفسه ، ولم ينظر في مضرة صاحبه .
وكان الذي أشار بذلك عز الدين محمود زلفندار ، وشرف الدين أحمد بن أبي [ ص: 476 ] الخير الذي كان أبوه صاحب الغراف ، وهما من أكابر الأمراء ، فلما أراد القبض عليه لم يقدم على ذلك لقوة مجاهد الدين ، فأظهر أنه مريض ، وانقطع عن الركوب عدة أيام ، فدخل إليه مجاهد الدين وحده ، وكان خصيا لا يمتنع من الدخول على النساء ، فلما دخل عليه قبض عليه ، وركب لوقته إلى القلعة ، فاحتوى على الأموال التي لمجاهد الدين وخزائنه ، وولى زلفندار قلعة الموصل بعد مجاهد الدين ، وجعل ابن صاحب الغراف أمير حاجب وحكمهما في دولته .
وكان تحت حكم مجاهد الدين حينئذ إربل وأعمالها ، ومعه فيها زين الدين يوسف بن زين الدين علي ، وهو صبي صغير ليس له من الحكم شيء والحكم والعسكر إلى مجاهد الدين ، وتحت حكمه أيضا جزيرة ابن عمر ، وهي وهو أيضا صبي ، والحكم والنواب والعسكر لمعز الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازي بن مودود لمجاهد الدين ، وبيده أيضا شهرزور وأعمالها ، ونوابه فيها ، ودقوها ، ونائبه فيها ، وقلعة عقر الحميدية ، ونائبه فيها ، ولم يبق لعز الدين مسعود بعد أن أخذ صلاح الدين [ البلاد ] الجزرية سوى الموصل وقلعتها بيد مجاهد الدين ، وهو على الحقيقة الملك واسمه لعز الدين ، فلما قبض عليه امتنع صاحب إربل من طاعة عز الدين ، واستبد ، وكذلك أيضا صاحب جزيرة ابن عمر ، وأرسل الخليفة إلى دقوقا فحصرها وأخذها ، ولم يحصل لعز الدين مسعود غير شهرزور والعقر ، وصارت إربل والجزيرة أضر شيء على صاحب الموصل ، وأرسل صاحبها إلى صلاح الدين بالطاعة له ، والكون في خدمته .
وكان الخليفة الناصر لدين الله قد أرسل صدر الدين شيخ الشيوخ ، ومعه بشير الخادم الخاص ، إلى صلاح الدين في الصلح مع عز الدين ، صاحب الموصل ، وسير عز الدين معه القاضي محيي الدين أبا حامد بن الشهرزوري في المعنى ، فأجاب صلاح الدين إلى ذلك وقال : ليس لكم مع الجزيرة وإربل حديث ، فامتنع محيي الدين عن ذلك وقال : هما لنا ، فلم يجب صلاح الدين إلى الصلح إلا بأن تكون إربل والجزيرة معه ، فلم يتم أمره ، وقوي طمع صلاح الدين في الموصل بقبض مجاهد الدين ، فلما رأى صاحب الموصل الضرر بقبض مجاهد الدين قبض على شرف الدين [ ص: 477 ] أحمد بن صاحب الغراف وزلفندار ، عقوبة لهما ، ثم أخرج مجاهد الدين ، على ما نذكره إن شاء الله .