[ ص: 1379 ] 267 - فصل
[ ] . ليس لأهل الذمة عهد إلا ما داموا مستقيمين لنا
الدليل الثالث : قوله تعالى : ( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ) إلى قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) فنفى الله أن يكون لمشرك عهد ممن كان النبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم إلا قوما ذكرهم فجعل لهم عهدا ما داموا مستقيمين لنا ، فعلم أن العهد لا يبقى للمشرك إلا ما دام مستقيما ، ومعلوم أن مجاهرتنا بتلك الأمور العظام تقدح في الاستقامة كما تقدح مجاهرتنا بالاستقامة فيها ، بل مجاهرتنا بسب ربنا ونبينا وكتابه وإحراق مساجدنا ودورنا أشد علينا من مجاهرتنا بالمحاربة إن كنا مؤمنين فإنه يجب علينا أن نبذل دماءنا وأموالنا حتى تكون كلمة الله هي العليا ولا يجهر بين أظهرنا بشيء من أذى الله ورسوله ، فإذا لم يكونوا مستقيمين لنا مع القدح في أهون الأمرين فكيف يستقيمون لنا مع القدح في أعظمهما ؟
يوضح ذلك قوله : ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) [ ص: 1380 ] أي : كيف يكون لهم عهد ولو ظهروا عليكم لم يرقبوا الرحم التي بينكم وبينهم ولا العهد ، فعلم أن من كانت حالته أنه إذا ظهر لم يرقب ما بيننا وبينه من العهد لم يكن له عهد ، ومن جاهرنا بالطعن في ديننا وسب ربنا ونبينا كان ذلك من أعظم الأدلة على أنه لو ظهر علينا لم يرقب العهد الذي بيننا وبينه ، فإنه إذا كان هذا فعله مع وجود العهد والذلة ، فكيف يكون مع القدرة والدولة ؟ وهذا بخلاف من لم يظهر لنا شيئا من ذلك ، فإنه يجوز أن يفي لنا بالعهد ولو ظهر .
فإن قيل : فالآية إنما هي في أهل الهدنة المقيمين في دارهم ، قيل : الجواب من وجهين :
أحدهما : أن لفظها أعم .
والثاني : أنها إذا كان معناها في أهل الذمة المقيمين بدارهم فثبوته في أهل الذمة المقيمين بدارنا أولى وأحرى .