الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنسخ في لغة العرب له معان ومنها:
الأول: الكتابة تقول: نسخ الشيء أي كتبه، وفي التنزيل: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الجاثـية: 29} وقوله: وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ {الأعراف: 154} فالنسخ هنا الكتابة وليس المحو والإزالة، ومن حمله على ذلك هنا فقد أخطأ.
الثاني: إِبطال الشيء وإزالته، فيقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت الريح الأثر أي أزالته، وفي التنزيل: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا {البقرة: 106} فالنسخ هنا الإزالة، وقد يكون إزالة للفظ والمعنى، وقد يكون لأحدهما فقط، وحمله على الكتابة خطأ ظاهر.
وقوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً {النساء:15} منسوخة بمعنى مزالة المعنى لا اللفظ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم السبيل الذي أشار الله له في هذه الآية، ومعلوم أن السنة تفسر القرآن وتبينه، ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وهذه منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى الآية التي فيها آية الحدود في سورة النور، وقد أجمع أهل العلم عليها، ولا يسوغ لمن بعدهم المنازعة في ذلك، قال الإمام القرطبي في تفسيره: وأما الحبس فمنسوخ بإجماع. والناسخ هو قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {النور:2} وهذا في البكر، وأما المحصن فقد صرح بحكمه الحديث الشريف الذي أوردناه سابقا، وكان يتلى فيه قرآن ثم نسخ، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وهذا لفظ مسلم. وفي موطأ مالك وغيره أن عمر خطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: قوله: الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3715، والفتوى رقم: 66331.
والله أعلم.