الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الشركة شركة تسمى شركة الأبدان وهي محل خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى والأرجح عندنا جوازها، قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى في المغني: وشركة الأبدان جائزة. ومعنى شركة الأبدان، أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم، فما رزق الله تعالى فهو بينهم، وإن اشتركوا فيما يكتسبون من المباح، كالحطب، والحشيش، والثمار المأخوذة من الجبال، والمعادن.... فهذا جائز نص عليه أحمد، وفي رواية أبي طالب فقال: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم، وليس لهم مال، مثل الصيادين والنقالين والحمالين.. قد أشرك النبي صلى الله عليه وسلم بين عمار وسعد وابن مسعود، فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشيء. وفسر أحمد صفة الشركة في الغنيمة، فقال: يشتركان فيما يصيبان... وبهذا قال مالك. وقال أبو حنيفة: يصح في الصناعة، ولا يصح في اكتساب المباح، كالاحتشاش والاغتنام، لأن الشركة مقتضاها الوكالة ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء، لأن من أخذها ملكها. وقال الشافعي شركة الأبدان كلها فاسدة، لأنها شركة على غير مال. فلم تصح. كما لو اختلفت الصناعات.
وصرح ابن قدامة بأن الربح فيها حسب الاتفاق، فقال: والربح، في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه، من مساواة أو تفاضل، لأن العمل يستحق به الربح، ويجوز تفاضلهما في العمل، فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به.
وأما لو عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما أيضاً حسب الاتفاق، قال ابن قدامة: وإن عمل أحدهما دون صاحبه، فالكسب بينهما، قال ابن عقيل: نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان، فيأتي أحدهما بشيء، ولا يأتي الآخر بشيء؟ قال: نعم، هذا بمنزلة حديث سعد وابن مسعود. يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران. ولأن العمل مضمون عليهما معاً، وبضمانهما له وجبت الأجرة، فيكون لهما كما كان الضمان عليهما، ويكون العامل عوناً لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، كمن استأجر رجلاً ليقصر له ثوباً، فاستعان القصار بإنسان فقصر معه، كانت الأجرة للقصار المستأجر، كذا ها هنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره، فإن طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل، فله ذلك، فإن امتنع فللآخر الفسخ، ويحتمل أنه متى ترك العمل من غير عذر، أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه، لأنه إنما شاركه ليعملا جميعاً، فإذا ترك أحدهما العمل، فما وفى بما شرط على نفسه، فلم يستحق ما جعل له في مقابلته. وإنما احتمل ذلك فيما إذا ترك أحدهما لعذر، لأنه لا يمكن التحرز منه.
وعليه؛ فإذا أذن الشريك -عمر- لشريكه -زيد- بعمل خاص به مع تعديل نسبة الربح من العمل المشترك فلا حرج في ذلك، ويكون ربح زيد من عمله الخاص له وحده.
والحاصل: أنه يجب على زيد أن يعطي عمر ما زاد على النسبة التي اتفق عليها معه بعد إذنه له بالعمل الخاص، وإن عفا عمر عما مضى درءا للفتنة واستأنفا اتفاقا جديداً فحسن.
والله أعلم.