الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصحيح أن مهنة القضاء فيها خطر كبير على دين المرء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين. رواه أحمد والأربعة. ومع ذلك فمن تولى القضاء وكان عارفاً بالأحكام الشرعية، وعادلاً في قضائه فإنه قد ينال بذلك منزلة كبيرة عند الله، فعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة. رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة.
كما أن مهنة الطبيب قد تحمل خطراً كبيراً لمن يمارسها ممن لا خبرة له بها، أو لمن يتلاعب بها، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 50129، والفتوى رقم: 5852. وقد علمت مما في الفتويين الحكم فيما إذا حصل موت للمريض أو تلف عضو منه بسبب خطأ الطبيب، وقل مثل ذلك في المهندس الإنشائي ومهندس الكهرباء وغيرهم...
فعلم من هذا أن الخطر ليس في ممارسة المهنة، وإنما الخطر في أن يمارسها من لا يصلح لها، سواء كان ذلك بسبب عدم معرفته بها، أو بسبب تفريطه فيما يترتب عليها من المسؤولية، وعليه فالذي ننصح به هو أن لا يختار المرء من المهن إلا ما يعلم أنه يتقنه، وأن يأخذ المسؤولية مأخذ الجد، ولا ننصح الجراح الماهر بمهنته بأن يتركها ولو أخطأ فيها خطأ يترتب عليه وفاة مريض، وإنما ننصحه بالتوبة إلى الله وبالاستمرار في المهنة مع توخي الحذر، والاحتياط عند كل إجراء أراد القيام به، فقد يكون له من الأجر في البقاء في المهنة ما لا يكون له في ممارسة غيرها.
والله أعلم.