الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن رأي من أخيه المسلم ما يوجب الحد كالزنا مثلاً، أو يوجب التعزيز كأن شاهده وهو يقبل امرأة أو يضمها، فإن الشاهد في هذه الحالة ينظر إن كانت المصلحة في الستر على المذنب، فإن الستر في هذه الحالة هو الأفضل، وإن كانت المصلحة في الشهادة عليه شهد.
والمصلحة في هذا تختلف من شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال، فمن الأصل فيه الصلاح فزل فستر حاله أولى، ومن يخشى منه إفساد بنات المسلمين لكونه فاسقاً مصراً على الفحشاء، وقد نُصح ولم ينتصح، وزجر ولم ينزجر، فالشهادة عليه أفضل، ولكن ينبغي أن يُراعى الشاهد إذا كانت المصلحة في الشهادة أن للشهادة نصاباً، فإذا أراد أن يشهد على آخر بأنه فعل كذا، ولم يكن نصاب الشهادة متوفراً فلا ينبغي أن يشهد، لأن الشهادة في هذه الحالة لا مصلحة منها شرعاً، بل قد يقام عليه حد القذف، وعليه فالظاهر في مثل حالك أن ما قمت به من الستر هو الأفضل والأولى، وإليك بعض أقوال أهل العلم الدالة على ما قلنا، قال الإمام المرغيناني الحنفي في الهداية: والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار. لأنه بين حسبتين إقامة الحد والتوقي عن الهتك (والستر أفضل) لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده: لو سترته بثوبك لكان خيراً لك. انتهى.
وقال العلامة محمد المواق المالكي في التاج والإكليل: وقال ابن العربي في مسالكه: المشهود به إن كان حقاً لله ولا يستدام فيه التحريم كالزنا وشرب الخمور، زاد أصبغ: والسرقة. فترك الشهادة له جائزة، ولو علم بذلك الإمام فقد قال ابن القاسم: يكتمها ولا يشهد. انتهى.
وقال أيضاً: ولابن عات مؤلف الغرر ابن صاحب الطراز: إذا مشت المرأة مع أهل الفساد ثم تأتي أو تساق لم يسع الإمام أن يكشفها هل زنت ويؤدبها ولا يكشفها عن شيء. البرزلي: لأن قصد الشريعة الستر في هذا كقوله: هلا سترته بردائك. وكقوله: لعلك قبلت لعلك لمست. انتهى.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى. والأصل في قبولها خبر مسلم السابق (كالحدود والمستحب سترها) أي ستر موجباتها على ما مر في الزنا. انتهى.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: قوله: (ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى: أبيح له إقامتها ولم تستحب) هذا المذهب، جزم به في الهداية، والمذهب، والمحرر، والشرح، وغيرهم، وقدمه في الفروع، وغيره. انتهى.
والله أعلم.