الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في شراء المضارب سلعة لنفسه من مال المضاربة من رب المال، فذهبت الحنفية إلى جواز ذلك قال الكاساني: مال المضاربة في حق كل واحد منهما كمال الأجنبي، لذلك جاز الشراء بينهما.
وذهب المالكية أيضا إلى الجواز إذا كان نقدا، ولا يجوز إلى أجل خشية أن تكون هناك زيادة على العامل، والمضاربة مبنية على التساوي، قال الباجي في الاحتجاج لذلك: وجه قول مالك أن ما بقي من المال عند العامل هو الذي وجب لرب المال من مال القراض فلا يجوز أن يؤخره عنده لزيادة يزدادها منه؛ لأن ذلك مما يشابه الربا؛ لأن الذي له عنده عين فيتركه عنده ليزيده فيه، ووجه آخر أن على العامل بيع ذلك العرض وتحصيل ثمنه فإذا باعه منه بثمن إلى أجل قويت التهمة في أنه يعطيه الثمن المؤجل فيما بقي بيده من رأس مال القراض، وفي عمله ويضمن مع ذلك ما لم يأخذه على الضمان.
ومنع من ذلك الشافعية، قال الشربيني: ولا يعامل العامل المالك بمال القراض؛ لأنه يؤدي إلى بيع ماله بماله، ولا فرق في ذلك بين أن يظهر في المال ربح أو لا، فإن عامله بغيره صح.
كما منع منه أيضا الحنابلة ولكن قيدوه بأن يظهر في مال المضاربة ربح، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ليس لعامل الشراء من مال المضاربة؛ كأن يكون فيها عبد أو ثوب؛ فلا يصح أن يشتريه من رب المال قال في " شرح المنتهى " إن ظهر في المضاربة ربح؛ لأنه يصير شريكا فيه، فإن لم يظهر ربح صح شراؤه من رب المال أو بإذنه كالوكيل يشتري من موكله.
والذي يظهر لنا - والعلم عند الله- هو رجحان مذهب المالكية، لما فيه من التفصيل بين البيع نقدا والبيع إلى أجل، و لأن البيع إلى أجل في هذه الحالة ذريعة إلى دفع الزيادة والوقوع في الربا، أما مذهب الحنابلة فيشكل عليه ما ذكره الأحناف من أن مال المضاربة في حق كل واحد منهما كمال الأجنبي، لأن لرب المال في مال المضاربة ملك رقبة لا ملك تصرف، وللمضارب فيه ملك التصرف لا الرقبة، فكان في حق ملك الرقبة كملك الأجنبي حتى لا يملك رب المال منعه عن التصرف، فكان مال المضاربة في حق كل واحد منهما كمال الأجنبي، فلا يمنع فيه من الشراء والبيع، وراجع لمزيد من التفصيل كتاب المضاربة في الشريعة الإسلامية، للشيخ عبد الله بن حمد بن عثمان الخويطر.
ومن هذا تعرف عدم جواز شرائك منه هذه البضاعة ودفع بعض الثمن بشيكات إلى أجل، وجواز ذلك نقدا.
والله أعلم.