الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أكثر الفقهاء جوّزوا الصلاة والسجود على البسط والزرابي، وما يُعرف اليوم بالسجاد، ومن الذين جوزوا ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم. مستدلين بما رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهي معترضة فيما بينه وبين القبلة، على فراش أهله، اعتراض الجنازة.
وروى أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط.
وروى أحمد وأبو داود عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، وعلى الفروة المدبوغة.
كما روى الشيخان وأبو داود والنسائي وأحمد من حديث ميمونة -رضي الله عنها- قولها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة. وروى مثله مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها.
والخمرة: كالحصير الصغير، تعمل من سعف النخل، وتنسج بالسيور والخيوط. لكنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجده، وصحابته رضوان الله عليهم معه، ومن بعده، وتابعيهم رحمهم الله تعالى، كانوا يصلون ويسجدون على الأرض، لا يتخذ أحدهم سجادة أو زربية أو بساطاً يختص بالصلاة عليها، ولم يحرص أحدهم على الصلاة على أمثالها، بل كانوا يتحرون الصلاة والسجود على الأرض، وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، وقد روي أنه لما قدم عبد الرحمن بن مهدي المدينة بسط سجادة، فأمر الإمام مالك بحبسه، فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدي، فقال: أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة.
وقد روى البخاري ومسلم وأحمد من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين على جبهته.
ونحن نميل إلى القول: بأن المصلي إذا وجد مكاناً مفروشاً كالمسجد في أيامنا هذه وكثير من البيوت، فإنه يصلي على الفراش، أو البساط دون حرج، وإذا احتاج لفرش سجادة أو زربية يصلي عليها اتقاء حر أو برد أو أذى على الأرض، فله أن يفرشها ويصلي عليها، لكن أن يتحرى فرش سجادة أو زربية بعينها يصلي عليها، أو أن يفرش سجادة على بساط مفروش أصلاً، أو أن يخصص الإمام دون المأمومين بها، فهذا كله ومثله مكروه، لا ينبغي فعله.
وإن الصلاة على الأرض أولى وأفضل، وأقرب للخضوع لله تعالى، وللخشوع، وكما ذكرت، فإن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ذكر هذه المسألة بتفصيل في مجموع فتاواه في الجزء الثاني من كتاب الفقه، المجلد 22.
والله أعلم.