الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن عدل النبي صلى الله عليه وسلم في العطايا والبعد عن إيثار أقرب الناس إليه تقديمه إطعام أهل الصفة على إخدام بنته فاطمة فقد روى الطبراني عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة، بعث بها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين وسقاء وجرتين، فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك أي بنية؟ . قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت. فقال: ما فعلت ؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتيا جميعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى مجلت يداي! وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا، فقال: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم . فرجعا، فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا فقال: مكانكما . ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ . قالا: بلى، قال: كلمات علمنيهن جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين . قال: فوالله ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال له ابن الكوا: ولا ليلة صفين ؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين. قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل اختلاطه، وبقية رجاله ثقات.
ومن عدله في التسوية بين الناس في إقامة الحدود ضعيفهم وقويهم قريبهم وبعيدهم ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
ومن عدله بين نسائه ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. قال إسماعيل القاضي: يعني القلب، وهذا في العدل بين نسائه رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
وكان صلى الله عليه وسلم يحرض على العدل كثيرا ويبين أهميته فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا. رواه مسلم. وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع. رواه الطبراني ورواته ثقات.
وفي المسند عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يقسم مالا إذ أتاه ذو الخويصرة -رجل من بنى تميم- فقال: يا محمد اعدل فوالله ما عدلت منذ اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم مني ثلاث مرات.... قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
والله أعلم.