الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن صفات النبي صلى الله عليه وسلم منها ما هو خَلْقي، ومنها ما هو خُلُقي، كما أسلفنا في الفتوى رقم: 20635، فما كان منها خَلقيا -بفتح الخاء- وهو ما يتعلق بصورته وخلقته وشكله وما وهبه الله سبحانه وتعالى من كمال الخلقة وتناسبها فهذا خارج عن نطاق التكليف.
أما صفاته الخُلُقية وهي أخلاقه وآدابه فينبغي للمسلم أن يقتدي بها ما استطاع سواء في ذلك الرجل والمرأة؛ لأنه أسوة الجميع إلا فيما يخص الرجال دون النساء، فلا يشرع للمرأة أن تتشبه بالرجال اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولكن تقتدي به في العبادة والكرم والتواضع والحلم والشفقة وكثرة ذكر الله تعالى والابتعاد عن ما لا يرضي الله ورسوله وغير ذلك من الصفات الحميدة المشتركة بين الرجل والمرأة.
أما أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد فصلنا فيها من حيث التأسي بها من عدمه في الفتوى رقم: 24214، ولا فرق بين الرجل والمرأة في حكم التأسي به صلى الله عليه وسلم بما في ذلك صفة الصلاة إلا في بعض الهيئات المستحبات، منها: الافتراش في جلسة التشهد، على خلاف بين الفقهاء في ذلك، فقد ذكر الفقهاء أنه يستحب للرجل أن يجافي بين بطنه وركبتيه وبين مرفقيه وإبطيه وبين رجليه في الركوع والسجود بخلاف المرأة فيستحب لها العكس وهو الانضمام في جميع ذلك لأنه أستر لها، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا فِي السُّجُودِ كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ، وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيهِ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا، وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا. انتهى.
وقال في التاج والإكليل، عند قول خليل في مختصره في الفقه المالكي: (وَمُجَافَاةُ رَجُلٍ فِيهِ بَطْنَهُ فَخِذَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتهَا - أَنْ يُجَافِيَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِضَبْعَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَا يَضُمُّهُمَا وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ . قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ فِي سُجُودِهِ وَيُجَافِي ضَبْعَيْهِ تَفْرِيجًا مُقَارَبًا . وَاسْتَحَبَّ ابْنُ شَاسٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ . وَمِنْ الرِّسَالَةِ: وَتُجَافِي بِضَبْعَيْك عَنْ جَنْبَيْك، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً. هذا على مذهب مالك والشافعي وهو أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في هيئة الجلوس في التشهد، ويرى الأحناف أن المرأة تتورك في الجلوس للتشهد بخلاف الرجل.
أما الحنابلة فمذهبهم أنها تخير بين أن تجلس متربعة وبين أن تسدل رجليها وتجعلهما عن يمينها
ففي الموسوعة الفقهية ما نصه: وَأَمَّا هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ فَالِافْتِرَاشُ لِلرَّجُلِ، وَالتَّوَرُّكُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَمْ الْأَخِيرَةِ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ التَّوَرُّكُ . وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْقُعُودِ هَيْئَةٌ لِلْإِجْزَاءِ، فَكَيْفَمَا قَعَدَ فِي جَلَسَاتِهِ أَجْزَأَهُ، لَكِنَّ السُّنَّةَ فِي جُلُوسِ آخِرِ الصَّلَاةِ التَّوَرُّكُ وَفِي أَثْنَائِهَا الِافْتِرَاشُ . وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ هِيَ الِافْتِرَاشُ، وَفِي الثَّانِي التَّوَرُّكُ . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَجْلِسَ مُتَرَبِّعَةً، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَنْ تَسْدُلَ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلَهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّدْلَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ غَالِبُ فِعْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ . انتهى.
وننبه الأخ السائل هنا إلى أنه لا تنبغي الإشارة إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بـ(ص( أو صلعم بل إن ذلك غير مشروع كما تقدم في الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.