الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصلاة حق لكل مسلم مات يشهد أن لا إله إلا الله سواء أكان مقتولاً في حد أو في غيره، ودليل ذلك من الكتاب مفهوم قوله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ {التوبة:84}، فمفهومها يدل على أن من مات مسلماً يؤمن بالله ورسوله يصلى عليه مطلقاً، ولم يرد مخصص لذلك، بل جاءت السنة صريحة في ذلك حيث صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على الغامدية التي قتلت في حد الزنى، ولما قال له عمر أتصلي عليها وقد زنت؟! قال صلى الله عليه وسلم: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى. رواه مسلم.
وأمر بالصلاة على ماعز لما قتل أيضاً في حد الزنى، قال ابن حجر: وظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد فقد أخرج عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز، قال: فقيل: يا رسول الله أتصلي عليه؟ قال: لا، قال: فلما كان من الغد، قال: صلوا على صاحبكم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم، ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني.
ولم يخالف في الصلاة على المرجوم فيما نقل سوى الزهري؛ إلا أن المقتول في حد يرى بعض الأئمة أنه يصلي عليه غير الفضلاء أخذاً برواية عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز وأمره لأصحابه بالصلاة عليه، ولكن الرواية قوية وتشهد لها قصة الغامدية وصلاته صلى الله عليه وسلم عليها وهي مرجومة في حد الزنى، وقد لخص النووي كلام أهل العلم في ذلك فقال في شرحه لصحيح مسلم: واختلف العلماء في الصلاة على المرجوم.. فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس، ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل، قال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم. والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء قالوا: فيصلي على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم، وقال الزهري: لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه. انتهى.
والله أعلم.