الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس له الرجوع في هذا الاتفاق وعليه أن يقوم بتنفيذه، وليس له المطالبة بمبلغ زائد على مبلغ الاتفاق، ما دام التأخر في البناء كان بسبب منه هو، والأصل في ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1}، لكن لو فرض أن التأخر لم يكن بسبب منه بل بسبب ظروف قاهرة حالت دون البناء، فعلى سبيل المثال: لو أن عقد مقاولة لإنشاء بناية كبيرة يحتاج إنشاؤها مدة طويلة تم بين طرفين وحدد فيه سعر المتر المكعب من البناء بمائة ريال، وكانت كلفة المتر الواحد من الحديد والإسمنت والأخشاب ونحوها ثمانين ريالاً، فوقعت حرب غير متوقعة قطعت الاتصال والاستيراد، وارتفعت بها الأسعار ارتفاعاً كبيراً بحيث يصبح تنفيذ الاتفاق مرهقاً جداً للمقاول، ويتكبد في سبيله خسائر ماحقة، فهنا يرفع الأمر للقضاء لكي يحقق الإنصاف بقدر الإمكان بين الطرفين، وإلى هذا ذهب مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة، فجاء في قراره:
1- في العقود متراخية التنفيذ كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات، إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلاً غَيّر الأوضاع والتكاليف والأسعار تغيراً كبيراً -بأسباب طارئة عامة- لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يُلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ إلتزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع -وبناء على الطلب- تعديل الحقوق والالتزامات بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين.
كما يجوز له فسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه منه، إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ يجبر له جانباً معقولاً من الخسارة التي تلحقه من العقد، بحيث يتحقق ذلك بينهما دون إرهاق الملتزم، ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعاً رأي أهل الخبرة الثقات.
2- ويحق للقاضي أيضاً أن يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير، ولا يتضرر الملتزم له كثيراً بهذا الإمهال.
والله أعلم.