الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نقل شيخ الإسلام اتفاق علماء الصحابة في عهد عمر على عدم تكفير قدامة رضي الله عنه، ولا نعلم أحدا من الأئمة الأربعة خالفهم في ذلك ، وقد احتج ابن قدامة في المغني بقصة قدامة المذكورة، ولم يذكر خلافا بين الأئمة في عدم تكفير المتأول الذي لم تقم عليه الحجة .
قال شيخ الإسلام : إن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر ولهذا استحل طائفة من الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة، اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا وإن أقروا به جلدوا فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على الجحود كفروا .
وقال أيضا في مجموع الفتاوى : وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة .
وقال ابن قدامة في المغني : ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه ، وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه ، كلحم الخنزير ، والزنى ، وأشباه هذا ، مما لا خلاف فيه ، كفر ، وإن استحل قتل المعصومين ، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه ، متقربا بذلك ، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا ، وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها ، فأقام عمر عليه الحد ، ولم يكفره ، وكذلك أبو جندل بن سهيل ، وجماعة معه ، شربوا الخمر بالشام مستحلين لها ، مستدلين بقول الله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا {المائدة: 93 } فلم يكفروا ، وعرفوا تحريمها فتابوا وأقيم عليهم الحد ، فيخرج فيمن كان مثلهم حكمهم ، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك ، وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك .
والله أعلم .