حكم نكاح الزانية التائبة
18-2-2001 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم أريد الزواج من شخص وقد حدث أن وقع رأس الذكر فى الدبر وحدث إيلاج بسيط ولكن لم ينزل فيه مع العلم ما زلت عذراء وعندما سألت المفتي في بلدي قال لي يحرم الزواج لأنه يعتبر زنا وأن مذهبه إباضي ونحن كذلك و سبق لي أن طرحت السؤال عليكم وقلتم لى إنه يجوز الزواج إذا تبنا إلى الله وكانت توبة صادقة ونحن متمسكان كثيرا ببعضنا والآن نريد الزواج ونحن نعرف أن ما فعلناه حرام ولكن نريد الزواج ومستعدون لأي كفارة تطلب منا وهل يجوز أن آخذ بحكم السنة بما أن حكم الإباضي قال يحرم الزواج؟ هل يشترط أن آخذ بحكم المذهب؟ وهل لو خرجت عن الحكم سوف أنال عقابا من الله أرجو توضيح الأمر مع العلم أني لا أريد الزواج من غيره ؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب تحكيم الكتاب والسنة، ورد التنازع إليهما، كما قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) [النساء: 59].
وليس في الشريعة نص يوجب اتباع عالم أو فقيه في كل ما يقول ويرى، بل هذا ليس إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ومن زعم أنه يجب على الأمة تقليد رجل بعينه كأبي حنيفة، أو مالك، أو الشافعي، أو أحمد أو غيرهم، فقد كذب على الله ورسوله، وقال قولاً معلوم البطلان من دين الإسلام، فإن هؤلاء الأئمة ليسوا معصومين من الخطأ والزلل، وما منهم أحد دعا الناس إلى تقليده واتباعه في كل ما يقول، وحاشاهم أن يدعوا الناس إلى ذلك، رحمهم الله تعالى.
وإذا علم هذا، فقد دل الكتاب والسنة على أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الزاني أوالقاتل ـ بل والمشرك ـ إذا تاب، وأناب، وعمل صالحاً تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات. كما قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا) [الفرقان: 68-71].
وليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب منع الزاني من التزوج بمن زنى بها، عند حصول التوبة منهما.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه ترجمان القرآن سأله رجل فقال: إني كنت أُلِمُّ بامرأة آتي منها ما حرم الله عز وجل علي، فرزقني الله عز وجل من ذلك توبة، فأردت أن أتزوجها؟ فقال أناس: إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فقال ابن عباس: ليس هذا في هذا، انكحها فما كان من إثم فعليَّ. انتهى.
وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) [النور: 3].
فقيل: إنها منسوخة، وقيل: إنها خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة من البغايا.
وأصح الأقوال ـ والله أعلم ـ ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه بسند صحيح أنه قال: ليس هذا النكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وهذا مروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغيرهم، كما قال ابن كثير وغيره.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك (الزانية لا ينكحها إلا زان) أي: عاص بزناه، (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه. انتهى.
ومعلوم أن لفظ النكاح مشترك بين الوطء والعقد، وقد رأيت ما قاله هؤلاء الفضلاء من الصحابة والتابعين من حمله على الوطء الذي هو الزنى.
وعلى القول بأن المراد هنا العقد، فالمعنى كما يقول الإمام ابن العربي المالكي (إن متزوج الزانية التي قد زنت، ودخل بها، ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني) أ هـ.
وحقيقة الزنى هي: إيلاج حشفة الذكر أو قدرها من مقطوعها في فرج محرم مشتهى طبعاً، قبلا كان أو دبراً.
والحاصل أنه لا مانع من هذا الزواج عند حصول التوبة الصحيحة الصادقة، وأنه لا يلزم المسلم باتباع مذهب معين يأخذ بجميع آرائه، وأن الواجب تحكيم الكتاب والسنة عند النزاع. والله أعلم.