الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دام المشتري قد أبرم العقد مع البائع مستوفياً شروطه وأركانه وتسلم سلعته، فقد تم البيع بالتفرق من مجلس العقد، ولا يؤثر في صحة العقد كون الثمن أو بعضه مقسطاً.
ولا يجوز بعد تمام العقد أن ينكل أحد العاقدين برد البيع، لكن له أن يطلب الإقالة، ويستحب للعاقد أن يستجيب للعاقد الآخر إذا طلب إقالته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أقال مسلماً أي بيعه، أقال الله عثرته، أي غفر زلته وخطيئته. رواه أبو داود وابن ماجه.
فإذا قبل الطرف الآخر إقالة أخيه النادم على بيعته أو الذي لا يستطيع الوفاء بالثمن، فهل له أن يسقط من الثمن شيئاً؟ قولان للعلماء، فبناء على اعتبار الإقالة فسخاً لا يكون للبائع غير سلعته ويرد جميع ما أخذ، وبناء على اعتبار الإقالة بيعاً جديداً يجوز لهما ما يتراضيان عليه، وقد بينا ذلك وافياً في الفتوى: 29280، والفتوى: 58367، والراجح هو اعتبار الإقالة فسخاً لا بيعاً، لأن الإقالة بر ومعروف من العاقد، ولو كانت بيعاً فلا بر فيها ولامعروف، إذ بإمكان مريد الإقالة أن يبيعه لغيره ويستغني عنه، فلما كان ذلك الأمر متوجهاً إلى العاقد الآخر علم أن المقصود هو جميع ما أخذ.
هذا إذا تم رد المبيع بالإقالة دون نقص في قيمته بالعيب، وضابط العيب يحدده العرف، لأن اعتبار العيوب يختلف باختلاف الأشخاص والبيئات وطبيعة الشيء المعيب ، فإذا نقصت قيمة المبيع فيجوز للبائع المقيل أن يحط من ثمنه الأول بقدر العيب في الراجح.
ففي درر الأحكام شرح مجلة الأحكام وهو حنفي: ويجوز في الإقالة تنزيل الثمن إلا أنه يجب أن يكون والمبيع في يد المشتري وبعد اتفاق المتقايلين على التقايل على شرط تنزيل الثمن بإزاء نقص في المبيع لعيب فيه، ففي مثل ذلك تصح الإقالة والشرط والمقدار الذي حط من الثمن في مقابلة العيب الحادث في المبيع (المادة 83). اهـ.
والله أعلم.