الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من عظيم فضل الله تعالى أن المؤمن إذا دخل الجنة، فإن كانت زوجته صالحة فإنها تكون زوجته في الجنة، ويرفع الأدنى منزلة إلى الأعلى منه، منة من الله تعالى وإحساناً، ودليل هذا قول الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد: 23}. وقوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف: 70}.
قال ابن كثير في تفسيره للآية الأولى: أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور: 21}.
وإذا كان الزوج سيء الخلق مع زوجته في الدنيا، فإن الجنة تختلف أحوالها وأمورها عن أحوال الدنيا، وذلك لأنها دار إكرام وتبجيل، فلا يقع فيها ما ينغص الحياة أبداً، فالله عز وجل يذهب ما في قلوب أهلها من غل وحسد.
فأهلها يدخلون مطهرين من كل شوائب الدنيا قبل أن يلجوها عند القنطرة، كما يدل له حديث أبي سعيد عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
وليس في هذا -أعني رفع درجة الأقل عملا أوالأدون مرتبة من الأقارب والأزواج إلى مرتبة الأكبر عملاً والأعلى درجة- ما يمنعه العقل ولو كان بينهما سوء تفاهم أو تباغض في الدنيا، لأن هذا كله يزول في الجنة، كما قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ {الحجر: 47}.
والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية، فما يفعل بأهل الجنة هو مما تشتهيه أنفسهم في تلك الحال.
والله أعلم.