الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان.
وهو من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة.
والواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبين الحق حسب الاستطاعة، فينكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وما ذكرت عن الإمام الذي خطب بكم من أن التغيير باليد يكون بعد الإنكار بالقلب والنصح باللسان، وأنه نظراً لعدم وجود حاكم مسلم، فإن كل مسلم يقدر على أن ينهى عن المنكر بيده، وأنه استدل لذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نزع خاتم ذهب من يد رجل.
نقول في الجواب عليه: إن مراتب تغيير المنكر جاءت مرتبة في الحديث الذي تقدم ذكره، ولا يجوز أن يعكس ترتيبها.
وتغيير المنكر لا يتوقف على وجود الحاكم، كما قال أهل العلم، ففي مواهب الجليل للحطاب قال: وفي إرشاد أبي المعالي لا يكترث بقول الروافض: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. انتهى
ولا يحتاج للاستدلال على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نزع خاتم ذهب من يد رجل، فهذا الحديث قد صححه أهل العلم، ولكنه ليس حجة في المحل الذي أورد فيه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم الأعلى والإمام الأول للدولة الإسلامية، ولا يوصف فعله بأنه فعل فرد من أفراد الأمة، في بلد ليس له حاكم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تغيير المنكر فرض عين عليه صلى الله عليه وسلم لا يسقط عنه بشيء من الأمور التي تسقطه عن سائر الناس، وهي إحدى خصوصياته.
قال البهوتي في كشاف القناع: وإنكار المنكر إذا رآه على كل حال فلا يسقط عنه بالخوف لأن الله وعده بالعصمة بخلاف غيره، ولا إذا كان المرتكب يزيده الإنكار إغراء لئلا يتوهم إباحته بخلاف سائر الأمة ذكره السمعاني في القواطع.
والحاصل أن تغيير المنكر فرض كفاية على المستطيع باليد، ثم باللسان عند العجز عن التغيير باليد، ثم بالقلب عند العجز عن غيره، ولا يشترط لوجوبه وجود حاكم مسلم، وهو فرض عين في حق النبي صلى الله عليه وسلم لا يسقط عنه بحال من الأحوال.
والله أعلم.