الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك على الابتعاد عن الحرام وعلى بر والديك؛ وإذا كانت والدتك قد أعطت مبلغ الخمسة آلاف لخالك على سبيل القرض فلا ريب أن المبلغ الشهري الذي حصلت عليه من خالك ربا لأنه في الحقيقة مقابل إقراضها له، ولا يؤثر في هذا كون خالك كان يتاجر بهذا القرض لأن الربا هو الزيادة المشروطة على القرض بغض النظر عما يستعمل فيه هذا القرض.
وإذا عرفت هذا فإذا كنتم تجهلون تحريم ذلك أو تحريم الفوائد البنكية الربوية فلا يلزمكم أن تخرجوا قدر ما أخذتم من هذه الأموال والفوائد الربوية، لأنكم كنتم جاهلين بالحكم، وقد قال تعالى فيمن اكتسب مالا بالربا: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة: 275}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل، ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته، ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تنقض بعد ذلك لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد.
وأما إذا كنتم عالمين بالحكم فليزم كل واحد منكم مع التوبة إلى الله أن يرد إلى خالك -مع الاستطاعة المالية- قدر ما أصاب من الربا الذي كان يدفعه، فإن لم يكن مستطيعا بقي في ذمته إلى أن يستطيع، وإن أخرج من كان منكم مستطيعا عن الباقين فحسن، ونسال الله أن يتقبل منه ويجزيه خيرا، والأصل في ذلك قوله تعالى في المتعاملين بالربا: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة: 279}
وهذا كله -كما تقدم- إذا كانت والدتك قد أعطت خالك هذا المبلغ على سبيل القرض، أما إذا كانت أعطته له على سبيل المضاربة أي أن يتاجر لها في هذا المال فهي مضاربة فاسدة، لأن تحديد مقدار ثابت للربح، وكذلك ضمان رأس المال بحيث لا يتحمل صاحب المال الخسارة يفسد المضاربة ويجعل حقيقتها حقيقة القرض، والواجب في مثل هذه الحالة أن يرد إليها رأس المال مضافا له الربح إن كان هناك ربح أو مخصوما منه الخسارة إن كان هناك خسارة ولخالك أجرة مثله، وعلى هذا الأساس ينظر إلى مبلغ الألف والمئتين الذي أخذته من خالك كجزء مما لها أو مما عليها، فإن كان هذا المبلغ أو جزء منه مما عليها وأردت أن ترده إلى خالك فحسن، ونسأل الله أن يتقبل منك وراجع الفتوى رقم: 5480.
وأما ما يتعلق بالفوائد البنكية فينظر كل منكم -إذا كان عالما بتحريمها- قدر ما أصاب منها ويخرجه في مصالح المسلمين كإعانة الفقراء والمساكين والجمعيات الخيرية ونحو ذلك، وإنما لم نقل بردها إلى البنك كما قلنا في الرد إلى خالك لأن من دفع هذه الفوائد البنكية من المتعاملين مع البنك يتعذر معرفة عينه، وما كان كذلك من الأموال التي تتعذر معرفة أصحابها فإنه يصرف في مصالح المسلمين.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 32762 والفتوى رقم: 15282 والفتوى رقم: 56191.
والله أعلم.