الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا دفع شخص لآخر مالاً ليتاجر به على أن يكون الربح بينهما، فإن هذا يُسمى في اصطلاح الفقهاء مضاربة، أما التزام التاجر بضمان الصفقة المذكورة بعد تمام عقد المضاربة فالتزام باطل، لأن المضارب لا يضمن رأس المال ولا شيئاً منه، كما أن تحديد إنهاء المضاربة بزمن معين لا يصح على الراجح، لأن المضاربة عقد جائز فلم يتوقت بمدة من الزمان كالشركة، وهذا مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 51152.
وبناء على هذا تبقى المضاربة صحيحة ويبطل ما اشترط فيها من شروط فاسدة، وما حصل بينكما من اتفاق بعد ذلك على قسمة رأس مال المضاربة قبل نضوضه-أي تحوله من أعيان إلى نقود- صحيح سواء كانت قسمة عين أو قيمة بشرط أن يكون المعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة دون زيادة أو نقصان، قال السرخسي في المبسوط: ولو أن رجلاً أعطى رجلاً دنانير مضاربة فعمل بها، ثم أراد القسمة كان لرب المال أن يستوفي دنانير، أو يأخذ من المال بقيمتها يوم يقتسمون؛ لأن المضارب شريك في الربح، ولا يظهر الربح إلا بعد وصول كمال رأس المال إلى رب المال، إما باعتبار العين أو باعتبار القيمة، وقد بينا في إظهار الربح أن المعتبر قيمة رأس المال في وقت القسمة. انتهى.
وإذا جاز اقتسام رأس المال بقيمته، جاز أن يكون نصيب رب المال من رأس ماله وربحه في ذمة العامل كما هو الحاصل للسائل، ولا يجوز للعامل بعد ذلك أن يمتنع من السداد بعذر عدم البيع ونحو ذلك؛ بل يبقى المال المتفق عليه ديناً في ذمته، وتحرم عليه مماطلة رب المال إذا كان مليئاً، أما إذا كان معسراً فليس أمام رب المال إلا إنظاره إلى يساره، قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}.
فإذا رأى رب المال شدة عُسره وعدم تمكنه من السداد استحب له العفو والتنازل، قال الله تعالى: وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}، وراجع الفتوى رقم: 8151، والفتوى رقم: 53270.
والله أعلم.