الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضمن هذا السؤال الأمور التالية:
- كون النبوة في الرجال خاصة دون النساء.
- الفرق بين الرسالة والنبوة.
- كون العشرة المبشرين بالجنة أفضل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
* فأما كون النبوة مختصة بالرجال فهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وهو الصحيح لما ورد من الحصر في قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً {النحل:43}، ورأى طائفة من أهل العلم جواز كون النبوة في النساء، لأدلة لا تنهض إزاء الحصر الوارد في الآية الكريمة، وراجع في هذا فتوانا رقم: 16614، والفتوى رقم: 31788.
ولك أن تراجع في الفرق بين الرسالة والنبوة كلاً من الفتوى رقم: 51071، والفتوى رقم: 53449.
وما نسبته لشيخ الإسلام من أن العشرة المبشرين بالجنة أفضل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هو الصحيح، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 51056.
وما ذكرته عن تكفير ابن حزم للباقلاني هو ما أورده في كتابه (الفصل في الملل)، بعد الحديث عمن يقول إن في الناس من هو أفضل من الأنبياء، حيث قال ابن حزم: وما قدرنا أن أحداً ممن ينتمي إلى أهل الإسلام ولا إلى أهل الكتاب ينطلق لسانه بهذا، حتى رأينا المعروف بابن الباقلاني فيما ذكر عنه صاحبه أبو جعفر السمنائي قاضي الموصل أنه قد يكون في الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هو أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من حيث يبعث إلى حين يموت، فاستعظمنا ذلك. وهذا شرك مجرد، وقدح في النبوة لا خفاء به.
ولنا للتعقيب على كلام ابن حزم هنا وقفة وهي: أنه إذا كان المقصود هو القاضي أبا بكر بن الباقلاني المتوفى سنة ثلاث وأربعمائة فمن الصعب جدا أن يصدر عنه هذا الكلام وهو معروف بسعة علمه وورعه ومبالغته في الذب عن السنة، فقد قال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام العلامة أوحد المتكلمين مقدم الأصوليين: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب..... بن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه... وكان ثقة إماما بارعا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه.. وقد ذكره القاضي عياض في طبقات المالكية فقال: هو الملقب بسيف السنة ولسان الأمة المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته....
ثم ذكر الذهبي ما كان عليه من الاشتغال بالعبادة والعلم تحصيلاً وتصنيفا وتدريسا وأطال في ذلك الذهبي جداً، وختم كلامه الطويل بأنه عندما مات أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازته هذا ناصر السنة والدين والذاب عن الشريعة.... ثم كان يزور قبره كل جمعة.
فمن الصعب جدا أن يصدر عنه مثل ما ذكره ابن حزم، ولو صدر عنه لما أثنى عليه الذهبي وعياض وإمام الحنابلة في زمانه أبو الفضل التميمي بما تقدم من ثناء.
ومن المعلوم عن أبي محمد بن حزم -عليه رحمة الله- أنه كان قليل التريث والأناة، مسرفا في العبارات، جسوراً على الأكابر خصوصاً إذا كانوا من رموز المذاهب الأربعة، فليس من المستغرب ألا يكون الباقلاني استثناء من هذه القاعدة.
والله أعلم.