الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن أصاب ثوبه أو بدنه بول أو غيره من النجاسات وجب عليه غسل الموضع الذي أصابته النجاسة، فإن لم يستطع تحديد الموضع لزمه غسل الثوب أو العضو كاملاً، وهذا إذا كان ما أصابه غير معفو عنه، أما إذا كان يسيراً كنقطة بول ونحوها، فاختلف أهل العلم فيها، فيرى الشافعية أنه لا يلزم غسلها، ووافقهم المالكية فيما إذا عسر الاحتراز منها كأثر أرجل الذباب من العذرة والبول.
وذهب الحنفية إلى أن ما كان من النجاسة المغلظة، وهي ما ثبت بدليل مقطوع به، كالدم والبول والخمر، فإنه يعفى عن قدر الدرهم وما دونه، وما كان من النجاسة المخففة وهي ما ثبت بخبر غير مقطوع به، كبول ما يؤكل لحمه، يعفى عنها ما لم تبلغ ربع الثوب، على تفصيل عندهم في الثوب المعتبر في هذا التقدير، قال البابرتي في (العناية شرح الهداية): وقدر الدرهم وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار جازت الصلاة معه، وإن زاد لم تجز.
وقال الإمام النووي في (المنهاج): وكذا في قولً نَجَس لا يدركه طرف -أي معفو عنه- قلت: والقول للنووي، ذا القول أظهر. والله أعلم. انتهى.
قال الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج)، قوله: وكذا في قولٍ نَجَس لا يدركه طرف، أي لا يشاهد بالبصر لقلته لا لموافقة لون ما اتصل به، كنقطة بول وخمر وما تعلق بنحو رجل ذبابة عند الوقوع في النجاسات، وقوله: قلت: ذا القول أظهر، أي في مقابله وهو التنجيس لعسر الاحتراز عنه، فأشبه دم البراغيث. انتهى.
وقال الخطيب أيضا في بيان تحديد اليسير المعفو عنه من النجاسات: قال شيخنا -أي زكريا الأنصاري-: والأوجه تصويره باليسير عرفا، وهو حسن. انتهى.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يعفى عن يسير النجاسة خصوصاً الغائط أو البول، قال البهوتي في (كشاف القناع)، فصل: ولا يعفى عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف أي البصر، كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه، لعموم قوله تعالى: وثيابك فطهر [المدثر:4]، فإن كان من سبيل لم يعف عنه لأنه في حكم البول أو الغائط.
ولعل هذا القول الأخير هو الراجح، إلا فيما إذا عسر الاحتراز جداً وخف دفعاً للحرج، وعليه؛ فينبغي لك غسل الموضع الذي أصابه رذاذ البول سواء كان في الثوب أو البدن، فإن لم تتمكن من معرفة الموضع فاغسل الثوب أوالعضو كاملاً.
والله أعلم.