الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن رغب أبوك في الزواج فذلك جائز في حقه بشرط العدل؛ فالتعدد مباح لمن كان قادرا على العدل بين زوجتيه، أو زوجاته، قال -تعالى-: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً {النساء: 3}، ومجرد ما ذكرت من أشياء تخشين أن تحدث لا يمنعه شرعا من الزواج، وليس من حقك مطلقا الدعاء عليه بأن لا يتزوج؛ فليس لك ذلك، وتراجع الفتوى: 285046.
ولو قُدِّر أن تزوج، وسافر بعيدا، فعليكم صلته بما هو ممكن، فالصلة يرجع فيها إلى العرف، كما بينا في الفتوى: 222433. وليس من حق أحد، أمك، أو غيرها، منعك من التواصل معه، ولا طاعة للأم في ذلك؛ فالطاعة إنما تكون في المعروف، روى البخاري، ومسلم عن علي -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وبخصوص الزواج، فالأصل أن أباك هو الولي، فهو الأحق بتزويج ابنته، فلا يجوز أن يزوجها الولي الأبعد مع وجود الولي الأقرب، ولا تسقط عن أبيك الولاية، إلا بمسقط من مسقطاتها، كالعضل وهو الامتناع عن تزويج ابنته من الكفء لغير أمر معتبر شرعا، وعندها تنتقل الولاية للأبعد، أو السلطان، على خلاف بين الفقهاء في ذلك، وسبق بيانه في الفتوى: 482674. وإذا زوج الأبعد مع وجود الأقرب، ففي صحة الزواج خلاف بين الفقهاء أوضحناه في الفتوى: 483835، ومن الأقوال في هذه المسألة أن صحة الزواج تتوقف على إجازة الولي، فإن أجازه صح، وإلا كان فاسدا.
ويجوز التوكيل في الزواج من قبل الولي، سواء وكل شيخا، أم غيره، ولكن لا يقوم بالتوكيل، إلا من له ولاية التزويج، فلا يقوم الأبعد بالتوكيل مع وجود الأقرب، إلا إذا سقطت ولايته، كما سلفنا القول في ذلك، وانظري الفتوى: 285418.
والله أعلم.