الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأخ الذي أنكر عليك الصلاة في هذا الوقت إنما أنكرها ظانًّا أنك تصليها راتبة قبلية للجمعة، فهذا الإنكار له وجه؛ لأن صلاة الجمعة ليست لها سنة راتبة قبلية، كما رجحنا في الفتوى: 474169.
أما النافلة المُطْلَقة، فقد دلت السنة على مشروعيتها قبل الجمعة، بل هي مستحبة في قول جمهور أهل العلم، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يُبَكِّرُونَ وَيُصَلُّونَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، وروي عن ابن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ اثْنَتَيْ عشرة ركعة، وعن ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فلا يُنكر على من تطوع قبل الجمعة تطوعًا مطلقًا حتى يخرج الإمام.
وقد نص شيخ الإسلام أن الصلاة بعد الأذان الأول الذي سنَّه عثمان، وبين أذان الخطبة سنة جائزة، لا يُنكر على المصلي في هذا الوقت، وأن الأفضل عدم المداومة عليه، حتى لا يظن الناس أنها صلاة راتبة، لا سيما مع انتشار الجهل.
قال -رحمه الله تعالى-: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْأَذَانُ لَمَّا سَنَّهُ عُثْمَانُ، وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، صَارَ أَذَانًا شَرْعِيًّا، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ الثَّانِي جَائِزَةً حَسَنَةً، وَلَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً -كَالصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ-، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَد يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يَكُونُ تَرْكُهَا أَفْضَلَ إذَا كَانَ الْجُهَّالُ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، أَوْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَتُتْرَكُ حَتَّى يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً، وَلَا وَاجِبَةً، لَا سِيَّمَا إذَا دَاوَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا أَحْيَانًا، حَتَّى لَا تُشْبِهَ الْفَرْضَ، كَمَا اسْتَحَبَّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُدَاوَمَ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَهَا. اهـ.
وأما قولك: هل يجب عليك طاعتهم في الامتناع عن تلك الصلاة؟ فالجواب: أنه لا تجب عليك طاعتهم، لما بينَّاه، لكن لو كان الأمر سيثير جدالًا وخصامًا، فالأفضل تركه.
والله أعلم.